هزة أرضية أوروبية في إسرائيل

TT

هكذا وصف مسؤول إسرائيلي كبير، رفض الإفصاح عن اسمه، للقرارات الأخيرة للاتحاد الأوروبي، وخلاصتها تطوير السياسة الأوروبية تجاه المستوطنات، لتبلغ مستوى غير مسبوق، وهو ما يقترب من إعلان حرب.

الآثار الاقتصادية التي ستنجم عن قرارات كهذه والتي تقدر بخسارة إسرائيل عشرات المليارات من الشواقل، تبدو في نظر معظم المحللين السياسيين، أخف وطأة على إسرائيل من البعد السياسي المباشر لهذه الإجراءات، بل إن أحد كتاب «هآرتس» وصف الخطوة الأوروبية كما لو أنها إقامة سور صيني، يفصل بين دولة إسرائيل «الشرعية»، المقامة وراء خط الرابع من يونيو (حزيران)، ودولة المستوطنات الواقعة على الأراضي الفلسطينية.

لا أستبعد المبالغة الإسرائيلية في رد الفعل، فهم دائما يديرون أزماتهم بهذه الطريقة، إلا أن الأهمية العملية للقرارات الأوروبية تتحدد بدقة في ضوء اعتبارات لم تزل غير واضحة، وإجابات عن الأسئلة التالية:

أولها: هل هذه القرارات موصى بها أميركيا، مما يعطيها قوة ضغط إضافية تخيف إسرائيل وتشعرها بمصداقية أوروبا في تنفيذها بصورة حاسمة.

إن توقيت الإعلان عن القرارات يشير إلى أمر كهذا، فالسيد جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، يؤدي جولة محادثات وصفت بالمفصلية في شأن إعادة الأطراف إلى مائدة المفاوضات في وقت قريب.. وبديهي أن ملف الاستيطان هو الملف الأكثر تأثيرا في أمر عودة المفاوضات من عدمها.

ثانيها: هل تكون هذه القرارات مقدمة لدور أوروبي فعال، ليس في موقف جزئي كهذا، وإنما في أمر التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية؟ وهل رفعت واشنطن الحظر الصارم على دور أوروبا السياسي في هذا الملف.. بعد أن ضغطت هذا الدور تحت سقف منخفض، هو مجرد تمويل العملية السياسية من دون تدخل فعال فيها.

وهذا أمر نحتاج، للتأكد منه، إلى مراقبة التطورات السياسية منذ اللحظة، فإن دعمت القرارات الأخيرة بسلوك أوروبي مصمم ومواظب على صعيد التسوية، فهذا هو التغيير الجوهري في الأمر، وإن استسلمت أوروبا للحملة الإسرائيلية، التي ستزداد سعارا واضطرت لتذويب قراراتها تحت تفسيرات متعددة، فهذا سيكون أخطر ما في الأمر.

ثالثهما.. وهنا، يكون الأمر المفصلي حقا، كيف ستضع الولايات المتحدة صاحبة مبدأ الحل الاقتصادي المتزامن مع الحل السياسي، القدرات الأوروبية الفعالة في سياق الجهد الذي يقوم به الوزير كيري للمضي قدما في هذا الحل.

إن أوروبا، التي تقدم لإسرائيل عبر العلاقات الاقتصادية بمختلف مستوياتها، ربما تكون الأقدر – ميدانيا - من أميركا على تنفيذ هذه السياسة المعقدة والفعالة، وبوسع الولايات المتحدة، لو تجاوز كيري ضغوط الكونغرس واللوبي اليهودي، أن تعتمد منذ الآن على رافعة سياسية قوية توفر لحل الدولتين الذي نسعى إليه مصداقية عملية، فما فعلته أوروبا فيه بعد أخلاقي يجعل من قدرة كيري على الإقناع بجدواه أمرا ممكنا، فضلا عن أن الأمر لا يتعلق بالأمن الاستراتيجي لإسرائيل بقدر ما يتعلق بسياسة إسرائيلية، لا يوجد في العالم كله من يؤيدها أو يتفهمها، وهي سياسة الاستيطان.

في ضوء ما يتضح في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة من تفاعلات وخلاصات لهذه القرارات، يصبح ممكنا الحديث عن تغيير جوهري في السياسة الأوروبية تجاه الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، إذن لنراقب جيدا ونر.

على الجانب الفلسطيني، ورغم الحفاوة الكبيرة بهذه الخطوة الأوروبية، فإن الفلسطينيين سيشعرون بحرج التردد في العودة إلى المفاوضات، بعد هذا الموقف القوي من جانب حلفاء إسرائيل التاريخيين، فإذا استمر الفلسطينيون في ترديد اللازمة التي لم يتوقفوا عن ترديدها منذ توقف المفاوضات، فقد يكون رد الفعل الأوروبي سلبيا، مما يهدد إمكانية البناء السياسي على القرارات الأوروبية، وإن عاد الفلسطينيون إلى المفاوضات معتمدين على هذا الحدث المهم في أمر الاستيطان، فقد يكون ذلك بمثابة عامل مشجع لأوروبا على مزيد من الخطوات الفعالة. وحيال ذلك، قد تتظاهر أميركا بالغضب منها إلا أنها ستكون أكثر المستفيدين.

لقد لفت نظري وأنا أتابع تطورات هذه «الهزة الأرضية»، على حد وصف «هآرتس»، ذلك الميل المبطن للوزيرة ليفني، المسؤولة عن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، للاستفادة من القرار الأوروبي، حيث أدلت بتصريح عاقل في هذا الصدد قالت فيه: «إذا لم يحدث تقدم في المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، فإن القرار الأوروبي لن يكون مقلقا».

هل تقنع ليفني شريكها اللدود في الحكومة نتنياهو بهذه الفكرة، أم أن نتنياهو وبينت سيتصرفون بالعكس، وهذا ما سنراه.