لا تجعلوها خصومة مع الإسلام ذاته.. إن كنتم تعقلون!!

TT

من الملاحظات الذكية لجورج أوروِل الكاتب المعروف أنه قال: ((إن التعود أو الإدمان على سلوك أو مفهوم يصيب صاحبه بتلف عضوي ومعنوي يفسد شخصيته وذوقه وطريقة تفكيره)). ضرب هذا المثل للذين يدمنون الخنوع للاستبداد والكبت والذل حتى لو زال عنهم الاستبداد وجدوا صعوبة في التكيف مع الحرية ((!!!!!)).

يمكن تطبيق هذا المثل على الذين أدمنوا خصومة الإسلام، وكراهية شرائعه وشعائره. فإن أحدهم يطَّير ويكتئب ويشمئز إذا سمع كلاما يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم!!: ((وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)).

والفرق بين حالة أورول وبين الحالة التي معنا هو أن الاشمئزاز من الإسلام - شرائعه وشعائره - يمكن التطهر والشفاء منه بالإيمان وبالتوبة، ذلك أن الشارد عن الله، الكاره لما أنزل ليس بينه وبين الله عداوة أصلية، وإنما هي حجب من البيئة أو الثقافة أو الصحبة السيئة أو طرائق التفكير الخاطئة. حجبته عن ربه الرحيم الودود، فإذا أزيلت هذه الحجب: طار إلى ربه بعقله وقلبه: اقتناعا وحبا فإذا هو مؤمن، بل إذا هو من أكابر المؤمنين.. وفي التاريخ والواقع مئات البراهين الدالة على ذلك والموثقة له.

نقول هذا لأننا لحظنا: أن خصوم الإخوان المسلمين جعلوا خصومتهم متعدية إلى الإسلام نفسه.

وهنا يتبين الفارق الكبير بين نقد ونقد. فنحن أيضا انتقدنا تجربة الإخوان في الحكم: وكيف أخطأوا.. ولماذا أخطأوا؟ فعلنا ذلك: انتصارا للإسلام الحق، أما الطرف الآخر فإنه ينتقدهم لكي يتوسل بهذا النقد إلى نقض الإسلام ذاته..

وهذا سلوك يتطلب مواجهة جادة:

لماذا؟

أولا: لأن (الاستغلال الانتهازي) موقف بشع التفكير، بشع الضمير: على كل حال.

ثانيا: لأن الخلط المتعمد بين الإسلام والأخطاء في تطبيقات أتباعه له. إنما هو خلط تتبدى فيه رذائل شتى منها: تضليل الناس.. واللؤم.. والجهالة المطبقة.. مثلا: ماذا يقول عقلاء الناس في أناس حرموا تدريس الفيزياء بحجة أنها علم يمكن أن يصنع أسلحة مدمرة؟

ثالثا: أن محاولات نقض الإسلام واجتثاثه هي محاولات بائسة يائسة بإطلاق.

وليكن باقي المقال برهنة وتدليلا على هذه الحقيقة (حقيقة أن الإسلام غير قابل للنفي والاجتثاث).

في شهر رمضان هذا يتردد كثيرا أنه شهر القرآن: اقتباسا من قول الله عز وجل: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)).

فمتى أنزل القرآن العظيم؟

أنزل منذ 1447 سنة

وعلى مدى هذا الزمن المتطاول شنت على القرآن والإسلام حملات ضارية: فكرية وعسكرية.

من الحملات الفكرية - على سبيل المثال -

1 - اتهام القرآن بأنه (أساطير)

أ - ((قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا)).

ب - ((وإذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين)).

ج - ((وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين)).

د - التشويش على القرآن حتى لا يبلغ الأسماع بوضوح ونقاء: ((وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)).

2 - اتهام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالجنون: ((وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون)).

وكان القرآن يتنزل منجما فينقض أراجيفهم وشبهاتهم وأباطيلهم نقضا لا قيام لها بعده: ((قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب. قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)).

فلما عجزوا في مجال البيان والحجة والبرهان: لجأوا إلى وسائل العنف وأساليبه: من الاضطهاد والتعذيب والمقاطعة والتجويع الخ.. ثم صعّدوا العنف فشنوا الحروب على الإسلام وأتباعه.

وعندما انتشر الإسلام في العالم: ضاق بنوره الذين يخافون على عيونهم من (أذى النور)!!.. ومن هنا كانت اجتياحات التتار، وكانت الحروب الصليبية.

وفي العصور الحديثة: تكررت الحملات المعادية للإسلام، وإن في صور وأشكال أخرى.

تكررت الحملات الفكرية في صورة نتاج (المستشرقين) الذي عمد إلى تشويه كل شيء في الإسلام: من القرآن.. إلى السنة.. إلى الفقه.. إلى التاريخ.. إلى اللغة العربية.

واكب ذلك، وسبقه، ولحقه: الاجتياحات الاستعمارية للعالم الإسلامي كله تقريبا: الاستعمار العسكري والإداري والاقتصادي والثقافي والتعليمي. و.و.و.

وعلى الرغم من ضراوة الحملات وطول مداها: هل استطاع الشانئون أن يبلغوا غايتهم في اجتثاث الإسلام، وطي راياته.

لا..لا.. لا.. بحمد الله وعونه وحوله وقوته

وهذا الواقع التاريخي - والراهن - إنما هو (تصديق) للقرآن نفسه.

من الآيات القرآنية العظيمة التي يلزم تدبرها بتفتح عقلاني وفكري، وبوعي تاريخي، وبفطنة معرفية: آية المائدة التي تتحدث عن (كمال الدين) و(تمام النعمة)، وهو كمال وتمام اقترنا بـ(تيئيس) الشانئين من (النيل) من الإسلام: تيئيسهم من نفيه من الكوكب واجتثاثه والقضاء عليه.. والآية المقصودة هي الآية الثالثة من سورة المائدة: ((اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)).

نزلت هذه الآية في عام حجة الوداع وهو العام الذي ودع فيه النبي الخاتم أمته.. وهذا العام نفسه هو عام (النجاح التام) و(النصر الكامل) للإسلام، وهما نجاح ونصر يلقيان اليأس في نفوس الذين كانت أمنيتهم القضاء على الإسلام واجتثاثه من الأرض.

لقد خابت آمال الكفرة كلها.

لقد حاولوا الطعن في القرآن فخابوا

وحاولوا الانتقاص من مقام النبي فخابوا

وحاولوا اغتيال النبي فخابوا: ((وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك))

وحاولوا إبادة المسلمين بالاضطهاد والتعذيب والعنف فخابوا.

أما الإسلام فقد بقي نبيه الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - حيا سليما معافى حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وحتى أكمل الله الدين وأتم النعمة.

فماذا عساهم أن ينالوا من الإسلام بعد هذا النجاح الكبير الكامل.

إن مكسبهم الوحيد هو (اليأس)، إن صح أن اليأس مكسب!!

وما يقال للأولين من كارهي الإسلام يقال للآخرين.

ومن أعاجيب الضائقين بالإسلام اليوم: أنهم يقولون: إن الإخوان غير صادقين في التزامهم بالإسلام.

ونقول لهؤلاء: ولماذا لا تتقدمون أنتم الصفوف وتصدقون مع الإسلام صدقا يحمل المسلمين على الالتفاف حولكم أكثر من التفافهم حول الإخوان؟.. ولا سيما أن الإسلام للجميع: لا تحتكره فئة ولا جماعة ولا حزب

ومحمد ترك الشريعة ثروة للمؤمنين

الكل مسؤول وكل المسلمين رجال دين

إن الأمة مقبلة - بحب ووعي - على ربها ودينها ولذلك أسباب شتى، فلا تقفوا في وجه الأمة وضد إرادتها وأنتم تزعمون أنكم قادتها وزعماؤها.