إدارة ... حارت البرية فيها

TT

إذا صحت رواية صحيفة «واشنطن بوست» عن أن إدارة الرئيس باراك أوباما أوفدت نائب وزير الخارجية الأميركية، وليام بيرنز، إلى القاهرة «لتوضيح» موقفها من التطورات الأخيرة في مصر، يكون هذا التحرك أول اعتراف أميركي، وإن غير مباشر، بأن دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية باتت بحاجة ملحة إلى «توضيح» ...بل إلى الكثير من التوضيح.

باستثناء الموقف «الثابت» من أمن إسرائيل، يتعذر على أي متابع موضوعي لدبلوماسية الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط أن يدعي تبيان خطوط واضحة لها، خصوصا في هذه المرحلة التي تمر فيه المنطقة بحالة مخاض سياسي قد يؤدي إلى ولادة «الشرق الأوسط الجديد» الذي نادت واشنطن، نظريا، بقيامه على مدى عقد كامل.

استنادا إلى الصحيفة الأميركية، حملت رسالة بيرنز إلى القاهرة تأكيدا واضحا بأن الإدارة الأميركية سوف «تدعم عملية ديمقراطية تتسم بالانفتاح والشمول والتسامح». ولكنها أغفلت، وربما تجاهلت، ذكر على من سيكون هذا الانفتاح ومع من سيكون هذا التسامح؟

خيارات «الانفتاح» المتاحة في مصر حاليا محصورة بالاخوان المسلمين والسلفيين والتكفيريين، فأيهم الأولى بالانفتاح؟...هذا مع العلم بأن العهد الجديد مد يد التعاون للإخوان المسلمين وقوبلت بالرفض القاطع.

لو تساءلت واشنطن، موضوعيا، عمن هي الجهة الأقدر على إعادة النظام الديمقراطي إلى مصر لكان «الاخوان المسلمون» آخر المرشحين لتولي هذه المهمة. فسجل سنة واحدة في السلطة كان كافيا لأن يكشف الطابع الشمولي لحكمهم الذي لم يقصر قيد أنملة في سعيه «لأخونة» مصر بأكملها. والغريب في هذا السياق ذلك الشبه المريب بين موقف واشنطن الراهن من الحكومة المصرية الجديدة المدعومة من المؤسسة العسكرية - وتحديدا تلويحها بوقف المساعدة المالية السنوية للجيش المصري - وموقفها من حكومة جمال عبد الناصر وسحبها،عام 1956، عرض تمويل السد العالي.

هل هو حالة عدم وضوح عابرة في رؤية واشنطن السياسية أم تخبط أعمق في تحديد مواقف ثابتة مما يجري من تحولات في مصر والمنطقة بأكملها؟

على سبيل المثال لا الحصر، كيف يمكن أن نفسر عداء واشنطن «للجهاديين» في سورية والسكوت عنهم في سيناء؟

واستطرادا، في أي خانة يمكن إدراج تنازلها عن علياء الدولة الأعظم في العالم والقبول بالتفاوض مع حركة طالبان (رغم ما في رقبتها من أرواح المئات من الجنود الأميركيين) وغضها الطرف عن تورط حزب الله في معارك سورية (وهي التي صنفت جناحه العسكري «منظمة إرهابية»).

وفي مصلحة من يصب حجبها السلاح المتطور عن «المعتدلين» في الثورة السورية، وتحديدا الجيش السوري الحر، بداعي التخوف من أن يقع في أيدي «المتطرفين» فيما أكثر هؤلاء «المتطرفين» تنظيما وتسليحا يحاربون اليوم إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد.

دبلوماسية واشنطن حيّرت العرب... وحيرت معهم أقرب حلفائها في منظومة حلف شمال الأطلسي الأمر الذي دفع عدة حكومات أوروبية للتردد في تزويد الجيش السوري الحر بالسلاح المتطور.

في تبريرها لموقف الإدارة الأميركية من مصر تحدثت الصحيفة – المطلعة عن كثب على أحوال «الكابيتول» والبيت الأبيض - عن «انهيار هيبة الولايات المتحدة» في القاهرة نتيجة «أخطاء الإدارة الأميركية المستمرة» وتقاعسها على مدى العامين المنصرمين «عن الإعراب بوضوح عن رفضها لانتهاكات حقوق الإنسان» .

لو أنصفت الصحيفة لتحدثت عن انهيار هيبة «الإدارة الأميركية» في العالم العربي بأكمله منذ أن بقي تعهد الرئيس أوباما في خطابه الشهير في القاهرة، عام 2009، «ببداية جديدة» بين الولايات المتحدة والمسلمين... مجرد تمنيات عاطفية لم تترجم على أرض الواقع.

إلا أن الصحيفة أنصفت الحقيقة في تبريرها رفض القاهرة التقيد بـ«نصائحها» بتساؤلها: «لماذا يتم احترام حكومة لا ترتبط أقوالها المؤيدة للديمقراطية، من قريب أو بعيد، بأفعالها؟».