أيها السادة.. افرحوا بنا وافرحوا لنا

TT

السادة مفكري وساسة الحضارة الغربية، تعلمنا منكم الفكر العملي، ويبدو أنه جاء الوقت ليس لنعلمكم إياه بل لنذكركم به. صحة الفكرة ليست في مكوناتها بل في النتائج العملية التي تفضي إليها وربما تكون الأسئلة في المطلق منطقية وضرورية، غير أنه في أحيان كثيرة يكون الهدف منها هو الهروب من الواقع عجزا عن مواجهة الحقائق التي يطرحها، من هذا النوع من الأسئلة: هل ما حدث في مصر انقلاب أم ثورة؟ الواقع أنه لا توجد جهة في حضارتنا الحديثة من حقها أن تعطينا إجابة قاطعة. تماما مثل السؤال القديم الشهير في العصور الوسطى: عن الملائكة والدبابيس؟

ربما تكون انقلابا وربما تكون ثورة، ربما تكون انقلابا ثوريا وربما تكون ثورة انقلابية، ليس مهما طبيعة الحدث والاسم الذي نطلقه عليه، المهم هو النتائج المترتبة على حدوثه. أنا أيضا أكره الانقلابات العسكرية، غير أني وبكل ما تعلمته أقول: ما حدث ليس انقلابا عسكريا، لم يفكر العسكريون المصريون أو يخططوا لعمل انقلاب، بل فوجئوا بثورة وكان عليهم أن يتعاملوا معها برفق وانضباط ليمنعوا صداما حادا بينها وبين السلطة الحاكمة في مصر، صداما كان من الممكن أن تسيل الدماء فيه أنهارا. أما السلطة الحاكمة أو التي كانت حاكمة وثار الناس ضدها هذه الثورة العارمة، فهي سلطة تستحق أن يثور الناس ضدها، بالطبع أنتم تعرفون ما كانت تفعله بنا وبأقدم بلد في التاريخ، كنتم تعرفون فقط، غير أن المعرفة المحايدة من المستحيل أن تنقل لكم الألم الذي تشعر به الضحية، نحن فقط نشعر بذلك. هناك مثل مصري معروف لا أعتقد أن له نظيرا في حضارتكم «اللي بينضرب مش زي اللي بيعد» كان الفلاح المصري يجلد لأوهى الأسباب في العصور السابقة، تتجمع دائرة حوله من أهل القرية ومع كل ضربة سوط كانوا يصيحون بالرقم الذي وصل إليه العد.. واحد.. اتنين.. ثلاتة.. عشرين.. واحد وعشرين. هو يتألم وهم يعدون ويتألمون أيضا، غير أن الألم الذي يشعر به المضروب يختلف بالطبع عما يشعر به من يحصي عدد الضربات.

كان النظام السابق يجلدنا في كل لحظة بقراراته وحماقاته وطريقة حكمه الغبية، وكنتم أنتم بالطبع تتابعون هذه الجلدات وتحصونها وتسجلونها في الملفات بعقل بارد كما يفعل المؤرخون ورجال السياسة. ولذلك لا تنشغلوا بالبحث عن الإجابة لسؤالكم عما إذا كان ما حدث ثورة أم انقلابا، بل افرحوا من أجلنا وافرحوا بنا وبثورة شعب أثبت أنه لم يمت بعد وساعدونا على الوصول إلى مكان نحن نستحقه على أرض المستقبل. هل تعتقدون أن السعودية والإمارات والكويت، كانت ستسارع بضخ كل هذه الأموال للحكومة المصرية بعد انقلاب عسكري ضد شعب مصر؟

لقد سارعوا لمساعدتنا خوفا من أن تحدث للثورة أية انتكاسة ولأنهم على وعي بأن المصريين خلصوا أنفسهم وخلصوا المنطقة من نظام كان يمثل تهديدا للمنطقة العربية كلها، ولأنهم كانوا يعرفون أن هذا العالم تكفيه أفغانستان واحدة.