الإخوان وفهم الواقع المصري

TT

مجلس الوزراء الانتقالي المصري يتضمن خمس وزيرات وثلاثة مسيحيين، أي الأقرب للتمثيل الديموغرافي المصري منذ عام 1952، ولم يحرم الأمة من قدرات المرأة المصرية ومهاراتها. هل تعمد الدكتور حازم الببلاوي، الخبير المالي الاقتصادي مراعاة الجنس والدين والتيارات السياسية في اختياره الوزراء؟

«لا» جاء الرد، فالاختيار حسب الكفاءة، والخبرة التخصصية للاستفادة منها على المستوى القومي المصري أو عند التعامل دوليا، ففي مصر من الكفاءات النسائية وحدها ما يكفي لتشكيل مجلسين وزاريين لا مجلس واحد «وتصدير الفائض»، مثلما مزح المصدر المصري.

الملاحظ أن الدكتور الببلاوي، مدعوما من المؤسسة السياسية القائمة بأعمال الدولة (المحكمة الدستورية العليا ورئيسها كبير القضاء المصري، والجيش الدعامة التاريخية لتماسك الدولة) تجاهل الاعتراضات غير المنطقية التي أثارتها التيارات الإسلامية، ليشكل حكومة تتعامل مع حاجة الاقتصاد المصري بعد التخريب الذي لحق به من تغيير الإخوان لأولويات الجهاز التنفيذي للحكومة وتوجيه الرئيس المنتخب (السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون كتبت في أحد تقاريرها قبل ستة أشهر أن «من يحكمون مصر سياسيا هم ستة، محمد مرسي ليس أحدهم»). ليس لإصلاح الاقتصاد وتوفير مناخ وسبل زيادة الإنتاج، بل لتركيز الجهود على السيطرة على كل مفاصل العمل في البلاد (تقليدا للتجربة الخومينية الإيرانية للوصول بالبلاد إلى مرحلة يستحيل على الشعب بعدها انتخاب أي حكومة أو رئيس من خارج دائرة مؤسسة المرشد، وهو ما أفقد المصريين صبرهم ففجروا ثورة 30 يونيو بعد أن انتبهوا لاستراتيجية الإخوان).

فالمؤسسة السياسية التي تمثل الدولة المصرية اليوم، تجاهلت اعتراضات التيار الإسلامي وقررت أن دفع فاتورة انسحابهم هو ثمن بسيط مقابل إنقاذ الاقتصاد.

وهو قرار استراتيجي من الجيش المصري والمؤسسة السياسية بأن وزن تيار الإسلام السياسي لم يعد عاملا كبير التأثير في المعادلة المصرية.

العواطف والآيديولوجيا لا يدخلان في حسابات الجيش والمؤسسة السياسية عند رسم استراتيجية مرحلة حرجة. فالغالبية الساحقة من المصريين رفضت الإسلام السياسي خاصة أنهم متدينون أصلا (وأكثرهم رأوا تسييس الدين إهانة لاتهامهم ضمنيا بنقص الإيمان).

أمام الرفض المصري والإقليمي للإسلام السياسي، لم يعتذر زعماء الإخوان (ومؤيدوهم اليوم أقلية) للشعب المصري عن تخريب الاقتصاد وتعطيل مصالح البلاد، بل استمروا في إهانة الغالبية الساحقة من المصريين (يلفقون الاتهامات في مقابلاتهم مع مع «بي بي سي» و«الغارديان» وغيرها من الصحافة اليسارية الغربية بأن ثورة 30 يونيو يديرها «فلول نظام مبارك» وأنهم مدفوعو الأجر من رجال أعمال واستثمارات تمول حركة تمرد) مما يفقد الإخوان أصواتا انتخابية بحيث لا يبقى لديهم مقاعد مؤثرة عدديا بعد الانتخابات البرلمانية المقرر لها فبراير (شباط) المقبل، «إذا استمروا في سياستهم الحالية» في قول دبلوماسي غربي في مصر. ما يقصده الدبلوماسي عودة الإخوان للعنف التاريخي (لم يصدروا أبدا بيانا مباشرا قصيرا واضحا برفض العنف والالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية).

مثلا تصاعد العمليات الإرهابية ضد المرافق والخدمات في شمال سيناء، كإطلاق قذيفة «آر بي جي» على باص ينقل عمال مصنع في العريش فمات أربعة وجرح 14 مساء الأحد الماضي. وبينما يرهق الجيش المصري (الاتفاقيات الملحقة بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تحدد عدد القوات التي يمكن للجانبين نشرها على مسافات معينة من الحدود) نفسه في إغلاق أنفاق التهريب عبر حدود رفح وغزة (بجانب تهريب مواد الوقود المسروقة من مصر، يستخدم الإرهابيون الأنفاق لتهريب السلاح) اضطر الجيش لتوجيه وحدات الهليكوبتر لمطاردة الإرهابيين الذين هاجموا باص عمال المصنع. ثم أضيفت إلى أعباء الجيش حراسة مقار ومبانٍ تابعة للإخوان ومؤسسات حزبهم الحرية والعدالة، من غضب أقارب ضحايا الهجوم الإرهابي بعد أن هددوا بحرق أي مراكز تابعة للإخوان.

لم يكن رد فعل أقارب الضحايا عاطفيا؛ فمحمد البلتاجي، من كبار زعماء الإخوان قال لإحدى المحطات الفضائية «إن هذه الأعمال في سيناء ستتوقف بعد ساعة واحدة من إعادة مرسي إلى منصبه كرئيس». وإلى جانب تعريض زعماء كالبلتاجي أنفسهم لطائلة القانون، فإن التصريح كارثة انتخابية للإخوان.

التنظيم الدولي للإخوان عقد لقاءات سرية في تركيا، بمشاركة زعيم حركة النهضة التونسية، وإخوان من سوريا ولبنان وتركيا والمغرب والسودان والصومال، لوضع خطة استراتيجية لمواجهة الخسارة الإقليمية (حصوة «تمرد» المصرية التي جمعت 23 مليون توقيع تثبت رفض الشعب للإخوان ورفض استغلال الدين لأهداف سياسية صنعت دوائر في المياة الراكدة؛ فتمرد تونس، أشهرت ما يزيد على مليون ونصف المليون توقيع في وجه حكومة النهضة الإسلاموية ؛ وتمرد السودانية التي بدأها حزب الأمة تزقزق على تويتر بقصف حكومة الخرطوم بقرابة مليوني توقيع).

نشر الصحافة نصوص استراتيجية التنظيم الدولي أثارت اشمئزاز غالبية الناخبين المصريين. لأنها تدعو لزعزعة استقرار مصر (أيذكر القراء صيحة زعيم الإخوان «طز في مصر»؟)، بإعلان «انتفاضة» عنف بافتعال مواجهات بين المتظاهرين والجيش مع العمل الدبلوماسي لتبرير تدخل دولي بقيادة أميركية لإعادة مرسي رئيسا والاعتماد على تعاطف شبكات بث خليجية وتركية ويسارية أوروبية.

هل كانت مصادفة أن رفع «مؤيدو شرعية مرسي» أعلام «القاعدة» السوداء على كوبري 6 أكتوبر فوق ميدان رمسيس وهم يحرقون السيارات (وكاميرات إحدى القنوات الفضائية، في بث متواصل لا ينقطع، لا تنقل اللقطة الكاملة لتبين أنهم بضع عشرات مخربين وليسوا عشرات الآلاف ككاميرات نقل ميدان رابعة العدوية) في أثناء زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز للقاهرة، ليعودوا مرة أخرى إلى ميدان رابعة العدوية مع بقية متظاهري الإخوان بعد انتهاء الزيارة؟

هذه «الانتفاضة» تدق المسامير الأخيرة في النعش الانتخابي للإسلام السياسي، والأفضل للإخوان الاعتذار للشعب المصري والانخراط في مسيرة إصلاح أخطاء العامين الماضيين إذا أرادوا البقاء على الخريطة السياسية في انتخابات شهر فبراير.