السوريون في سياسة النظام!

TT

رغم كل ما قام به النظام ضد الشعب السوري من أعمال قتل وتنكيل وتدمير، فإنه ما زال عبر بعض مسؤوليه ومن خلال أجهزته الإعلامية والدعائية وعلى ألسنة بعض مؤيديه ومريديه، يتحدث عن تمثيله للسوريين. ويطرح هذا التناقض سؤالا منطقيا، يتعلق بماهية السوريين الذين يتكلم عنهم النظام، وهل تتطابق رؤية النظام للسوريين مع تعريفهم باعتبارهم مجمل المواطنين السوريين الذين يحوزون جنسية هذا البلد، وينتسبون إليه على نحو ما هو المصري والفرنسي والإسباني وغيرهم.

فكرة النظام عن السوريين مرتبطة أشد الارتباط به، إذ هو يعتبر السوريين هم مجمل الأشخاص الموافقين على سياسته، وقد أشار رأس في النظام في إحدى خطبه الأخيرة إلى السوريين باعتبارهم الذين انتخبوه والذين يوافقون على سياساته وقراراته وممارساته، وهو قول ينسجم كل الانسجام مع فكرة النظام عن سوريا والسوريين، التي ترسخت منذ استيلاء الأسد الأب على السلطة في عام 1970. ومن يومها، صار كل شيء في البلاد ينسب إليه من معاهد الأسد إلى جسر الأسد وبحيرة الأسد ومشفى الأسد، وصولا إلى وصف سوريا بأنها «سوريا الأسد»، وهو تعبير شاع وجرى استعماله عشرات السنين.

وإذا كانت البلاد في عموميتها وفي تفاصيلها نسبت إلى الأسد، فقد بدا من البديهي، أن ينسب السوريون إليه، وهي حالة تواصلت محاولات إشاعتها وخاصة في أوساط التلاميذ والطلبة والشبيبة، وامتدت إلى صفوف الجيش وأجهزة الأمن الذين يصفهم البعض بـ«جنود الأسد»، وقد أظهرت حالة الصراع في سوريا كثيرا من مؤشرات ربط قطاعات من السوريين بالنظام وبرأس النظام، ممن يوصفون بـ«المنحبكجية» ومؤيدين للنظام الذين أشار إليهم خطاب رأس النظام في تعريف السوريين باعتبارهم مؤيدين له، وهذا يقودنا إلى الزاوية التي يرى منها النظام معارضيه من السوريين، وهي نظرة ثابتة ومتواصلة منذ وصول الأسد الأب إلى السلطة، وقد نظر إلى معارضيه باعتبارهم غير وطنيين بمعنى غير سوريين، ثم ذهب إلى الأبعد في وصفهم بـ«الخونة» و«العملاء» وأعطاهم أحيانا صفة «عملاء إسرائيل»، مشيرا في بعض الأحيان إلى ضبط أسلحة إسرائيلية بحوزة بعضهم ووجود عملة إسرائيلية، وكأن الأخيرة تجد لها فرصة تصريف في السوق التي يسيطر عليها النظام.

لقد استثنى النظام معارضيه من الأفراد والجماعات من الانتماء إلى سوريا، ملصقا بهم أبشع صفات الخيانة والعمالة، ممهدا لتعريضهم إلى أقسى أنواع العقوبات، التي شملت الاعتقال والسجن والإبعاد والتنكيل وصولا إلى القتل والانتقام من الأقربين وتدمير الممتلكات أو مصادرتها، وقد مورست هذه السياسة في عهد الأب ضد أفراد وجماعات من المعارضة بمن فيهم تيارات من حزب النظام، قبل أن تتحول هذه السياسة وتتجذر وتصبح سياسة عامة لا تستثني إلا القلة من السوريين بعد انطلاقة ثورة السوريين في مارس (آذار) 2011.

ولإن اتخذت سياسة النظام حيال السوريين منذ بداية الثورة طابعا عنيفا ودمويا شمل المحتجين والمتظاهرين والمعارضين وحواضنهم الاجتماعية، فقد سارت تلك السياسة في مسارين؛ أولهما ركز على الأشخاص والناشطين، شملتهم عمليات النظام، وتضرر بسببها نحو مليون سوري، قتلوا أو أصيبوا بعاهات دائمة، أو هم مفقودون بحكم الميتين، أو معتقلون لا تعرف مصائرهم.

وأصاب المسار الثاني من سياسة النظام الحواضن الاجتماعية للثورة في القرى والمدن التي شهدت حركات واسعة مناهضة للنظام، ودُفع قسم من سكانها في عمليات تهجير، جاءت نتيجة احتياجات أمنية وعسكرية متكررة وعمليات قصف وحصار وتجويع وترويع لأغلبية السكان ودفعها للنزوح إلى مناطق سورية أخرى أو إلى بلدان الجوار، ويقدر عدد السوريين النازحين داخل البلاد بنحو خمسة ملايين شخص، وهناك تقديرات قريبة من هذا الرقم لعدد السوريين الذين غادروا البلاد للنجاة بحياتهم وهربا من سياسة القتل والتدمير، وخارج هذين الرقمين، فقد استمر نحو 20% من سكان هذه المناطق في مناطقهم لأسباب مختلفة رغم صعوبات العيش وتحديات الموت والدمار المتواصلين، وبصفة عامة فإن المتعرضين لقمع النظام وإرهابه، مصنفون خارج مفهومه عن السوريين.

وبموازاة المسارين السابقين، اختط النظام مسارا مختلفا في التعامل مع مؤيديه الذين يعتبرهم سوريين حقيقيين، حيث سلحهم ونظمهم ووفر لهم مصادر دخل، وأحاطهم بالحماية والرعاية والعناية، ونظم ظروف حياتهم بجوانبها المختلفة، وحول مناطقهم إلى بؤر أمنية محمية، تتوافر فيها أفضل الشروط وكل الاحتياجات المادية والمعيشية.

إن الاختصار المكثف لسياسة النظام في التعامل مع السوريين، يرسم صورة الوضع الداخلي على أساس تقوية مؤيدي النظام الذين يمثلون أقلية - نخبوية، لا تتجاوز الـ20% من إجمالي السكان، وجعلهم القوة القابضة للنظام، التي تسيطر وتستعبد سكان المناطق المدمرة والمهجرين في الداخل الذين تدهورت أحوالهم إلى حد الخراب، مما يجعل من السهل السيطرة عليهم حسبما يرى النظام.

وفي موازاة السيطرة على مستضعفي المناطق المدمرة، فإن النظام تخلص من القسم الآخر من سكان تلك المناطق، بأن دفعهم ليصيروا لاجئين في بلدان الجوار، يواجهون صعوبات الحياة اليومية ومرارتها، ولا يستطيعون العودة إلى مدنهم وقراهم، وبذا يكون النظام تخلص منهم ومن تبعات وجودهم في سوريا، وألقى بأعبائهم على الآخرين.

إن الشيطان لا يستطيع رسم وتنفيذ سياسة كهذه. لكن الدعم الذي تقدمه روسيا وإيران وحزب الله وآخرون للنظام، وضعف وعجز قوى المعارضة السورية، وعدم فعالية دول أصدقاء الشعب السوري، وصمت المجتمع الدولي، يقومون بدور شرس في مساعدة النظام على رسم وتنفيذ تلك السياسة.