أين صوت المرأة؟

TT

ما من شيء يزعجني أكثر من أن يتحول أي حوار أو مداخلات إلى ميدان ذكوري حكر على الرجال، وكأن النصف الآخر من المجتمع لا وجود له. هذا ما أحزنني منذ أن انقطعت السيدة فاطمة الزهراء عن موافاتنا بتعليقاتها الغنية وغابت عن هذه الزاوية. وهي زاوية سافرة ومفتوحة للفكر الحر المشترك، وتتغنى بالحب والجمال. بيد أنني شعرت بانشراح كبير بدخول القارئة العراقية الفاضلة عائشة الأعظمي عندما كتبت لنا من فرنسا تعليقا على ما قلته في «دمعة وابتسامة»: «على بختك!» - قالت بلهجتها العراقية الأصيلة - لماذا تنظر إلى نصف الكأس الخالي ولا تنظر إلى النصف الممتلئ؟ والحق معك يا سيدتي الفاضلة، ولكن كأس العرب لم يعد فيه أي نصف ممتلئ. لا شيء فيه غير الفراغ والهواء والشيء الكثير من المهملات، مهملات السنين الخوالي...!

ولكن لدينا السيد إياد من الإمارات ينفي أن تكون الكأس فارغة ويقول إن الأرض قادرة على إعاشة 40 مليار شخص. ولكنه الإسراف والتبذير الذي يعرض الملايين للفقر والجوع. قد يكون هذا صحيحا يا سيدي. ولكنني كشخص يعيش في مدينة لندن، تتجاوز نفوسها عشرة ملايين نسمة أشعر بالضيق من كل هذه الزحمة وكل ما يترتب عليها من مشاكل ومضايقات وأمراض وهواء ملوث. لا أريد أن أعيش في كوكب يعج بأربعين مليار رجل وامرأة. أعتقد أن من أسباب انتشار العنف والإرهاب والديكتاتورية ازدحام البشر.

أجرى بعض العلماء تجربة على الفئران عندما وضع عددا قليلا منها في قفص. عاشت في سلام وهدوء وألفة. ولكنه عندما أضاف للقفص مجموعة أكبر من الفئران بحيث ازدحم القفص بهم، أخذوا يعضون بعضهم البعض ويتقاتلون بشراسة. ولماذا نفكر بالفئران والجرذان؟ انظروا للبشر في مصر. نظرت من أعالي فندق الهيلتون إلى ساحة التحرير قبل سنوات ورأيت المواطنين يجرون بالمئات ويلفون ويتدافعون ويتراكضون في كل اتجاه. شعرت وكأنني أنظر إلى مجموعة من النمل أو الديدان تتدافع على غير هدى. ليس بالمنظر المريح للنفس.

يسألني السيد أحمد إسماعيل من هولندا، عن أصل السومريين، أقدم من سكن بلاد الرافدين.

هذا سؤال حير الباحثين يا سيدي. انقسموا إلى فريقين، منهم من يرى أنهم شعب من الشعوب السامية، ربما تدفقوا من الجزيرة العربية، شأن العموريين والبابليين والآشوريين والفينيقيين. ومنهم الفريق الآخر الذي ينفي ذلك ويقول إنهم قوم جاءوا من جهة الشرق ولا يمتون للساميين بعلاقة، وسكنوا منطقة الأهوار في جنوب العراق. أنا شخصيا أميل إلى هذا الرأي. فلا أرى أحدا من بدو الجزيرة العربية يحب السكن في مثل هذه المنطقة الغارقة بالمستنقعات وأوحال الأهوار والمياه الآسنة. كما أن منجزاتهم الأصيلة تحملني لذلك الرأي. من هذه المنجزات التي غابت عن أنظارنا أنهم كانوا أول شعب في التاريخ مارس الحكم الديمقراطي عن طريق مجلسين، واحد للشيوخ والآخر للشباب المقاتلين.