المرأة البحرينية على خطى التألق

TT

في ندوة إعلامية أقيمت ببيت عبد الله الزايد للتراث الصحافي بمدينة المحرق البحرينية، طرح أحد الحضور سؤالا عن مدى نجاح الأجهزة الإعلامية العربية في تسليط الضوء على عدم الانصاف الذي تتعرض له المرأة في الدول العربية، فردت إحدى ضيفات الندوة قائلة: «ألم نتجاوز الحديث عن وضع المرأة وحق المرأة وظلم المرأة؟ ألم تكن هذه الأحاديث هي أحاديث العقود الماضية يوم كانت المرأة أسيرة بيتها، ولم يكن لها حظ في المشاركة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وكانت مجرد ربة منزل؟».

استغرقتُ في هذا الرد غير المتوقع للضيفة، فالمرأة العربية دائما ما يستهويها الحديث عن «القهر» الذي تتعرض له و«التمييز» الذي تعانيه، ولكن هذه الضيفة لم ترغب في الانزلاق إلى «بكائيات» المرأة العربية، و«تراجيديا» تسلط الرجل، مثلما تفعل بعض المثقفات العربيات، وإنما فضلت أن يكرس المثقفون أحاديثهم حول قضايا التحديث والتطوير والتنمية في مجتمعاتنا العربية، وحل مشكلاتنا من دون تصنيف أو تمييز.

ربما استغربت الضيفة هذا السؤال، في حين أن في قاعة المحاضرة نفسها كانت تجلس الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وزيرة الثقافة في مملكة البحرين، التي لم تستقبل الصحف تعيينها كوزيرة للثقافة قبل بضع سنوات كإنجاز يُحسب للمرأة البحرينية، ولكن الصحف كانت تتحدث عنه كإنجاز للعمل الأهلي، حيث إن الحكومة البحرينية قدرت العمل الجليل الذي قامت به الشيخة مي من خلال مؤسستها الخاصة في استنهاض الثقافة من رحم الأحياء القديمة التي كادت تتحول إلى مجمعات مغلقة للعمالة الوافدة، وكافأتها عليه بمنحها حقيبة الثقافة في الحكومة.

وفي القاعة نفسها، وعلى بعد أمتار من مقر الندوة، كانت تقف أربع كاميرات فيديو الندوة، وهي الكاميرات التي أمرت بتوفيرها الأستاذة سميرة رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والمتحدثة الرسمية باسم الحكومة لتغطية الحدث، وهي السيدة التي لم يجر التعامل مع تعيينها وزيرة وكأنه انتصار للمرأة ضد الرجل، ولكنه انتصار للكفاءة وتقدير للعمل الجاد، أيا كان مصدر هذه الكفاءة؛ سواء كان رجلا أم امرأة. وما زالت سميرة رجب تثبت يوما بعد يوم أنها الخيار الأجدر لحمل هذه الحقيبة.

ولم يكن غريبا أن يشهد بيت عبد الله الزايد للتراث الصحافي، مقر الندوة، حضورا كثيفا رجاليا ونسائيا؛ كانوا يجلسون بشكل عشوائي في طابقي المركز، الأرضي والعلوي، ولم يحتفِ أحد بوجود الرجال والنساء في قاعة واحدة من دون وجود فواصل أو حواجز، كما لم يعترض أحد عليه. أتى الجميع رجالا ونساءً بعفوية. سلكوا الأزقة الضيقة في مدينة المحرق القديمة معا بعفوية، وجلسوا معا بعفوية، ومضوا بعفوية. ولم يكن جلوس الرجال والنساء في بيت واحد شيء يستدعي استنفارا أخلاقيا، ولم يكن إنجازا يستحق الاحتفاء. أضف إلى ذلك أن كاميرات الفيديو وكاميرات الديجيتال كانت تدور بين الحضور الرجالي والنسائي من دون أن يطلب أي منهم أن تتجاوزه الكاميرا ولا أن تُمسح صورته.

وعلى بعد أمتار قليلة من بيت عبد الله الزايد، كانت تقع مدرسة خديجة بنت خويلد للبنات، وهي تستعد بعد خمس سنوات للاحتفال بمرور 90 عاما على إنشائها كأول مدرسة نظامية للبنات في البحرين. فحين أنشئت في عام 1928، لم يتأخر البحرينيون في إرسال بناتهم لها. واليوم بعد مرور تسعة عقود على إنشائها، ليس هناك من بنت بلغت السن الدراسية، إلا ولها مقعد دراسي، يُلزَم به ولي الأمر ولا يُخير. وما زالت الطالبة البحرينية تتصدر قوائم المتفوقين في كل المراحل، مكتسحة الطلاب الذكور.

وعلى بعد أمتار إضافية أيضا من بيت عبد الله الزايد للتراث الصحافي يقبع بيت فاطمة الزياني، وهي أول امرأة بحرينية تقود السيارة. كان ذلك في عام 1945، ومن دون أي اعتراضات.

بقي أن نشير إلى أن تعليم البنات في البحرين قد سبق تعليم الأولاد. ذلك أن أول مدرسة (شبه نظامية) جرى افتتاحها في البحرين هي مدرسة مخصصة للبنات، كانت تابعة للمستشفى الأميركي، وذلك في عام 1893، في حين أن أول مدرسة نظامية للبنين في البحرين افتتحت عام 1919.

لا يمكن أن أدعي أن المرأة في جميع المجتمعات العربية لا تتعرض للعنف والتمييز، ولا يمكن أن أدعي أن وضع المرأة في البحرين هو الوضع المثال، ولكن ما أتصور أن ضيفة الندوة تعنيه أن حل المشكلات التي تتعرض لها المرأة يستلزم حل المشكلات التي تتعرض لها المجتمعات العربية بشكل عام. فباستنهاض المجتمعات، وزيادة وعي الجماهير، ونشر الثقافة، ومحو الأمية، ووضع الخطط الجادة للتنمية والتحديث والتصنيع والإنتاج، سيعود ذلك بالخير العميم على الجميع رجالا ونساء. فصلاح المرأة العربية لا يأتي باستدرار الدموع وإثارة دهشة المجتمعات المتحضرة بقصص القهر والكبت، فذلك يصلح لأن يكون مادة للمسلسلات وليس وسيلة للتنمية.

* كاتب بحريني