رئيسان في الاعتقال

TT

الحمد لله أنني لا أقترع في مصر، وإلا لكنت خالفت عددا كبيرا من الناس والأصدقاء. كنت امتنعت، تحت أي ظرف من الظروف، عن الاقتراع للرئيس حسني مبارك بعد الولاية الثانية. وذلك استنادا إلى ما كان يسميه الفارابي «الحقيقة». والحقيقة هنا أن دساتير الدول الطبيعية تمنع مواطنيها من طلب أكثر من ولايتين في الرئاسة، وتمنعهم من الاقتراع لمن يطلب الثالثة. أما الوجه الآخر للحقيقة، فهو أن مصر مليئة بالرجال وخصبة بالفكر والحرية. ولأسباب شخصية جدا وغير موضوعية، ما كنت اقترعت للدكتور محمد مرسي. مرشحي كان عمرو موسى لأنه أعاد مصر إلى عروبتها، أو محمد البرادعي لأنه خبير بحال مصر وأحوال العالم. والدكتور مرسي لا يتمتع بأي من هذه الكفاءات، ويرى مصر بعين واحدة، ولم يسبق له أن شغل منصبا عمليا في زمن فائق التعقيد.. ولأنني، بصراحة ومع الاعتذار، أفضل أن يكون لرئيس مصر مستشارون متعددون لا مرشد واحد. والسبب أننا بشر، وطاقة البشر بشرية، ولا يمكن لبشري أن يكون بحرا أو محيطا.

اقتراعي أو حجب صوتي لا يهم أحدا، لا في مصر ولا حتى في قريتي، لكنني أدلي بهذا الرأي لأنني أتأمل مصر وأرى رئيسيها في المعتقل. وهذه، كيفما نظرنا إليها، إهانة. ليس لحسني مبارك، الذي تكاثرت أعماله في البداية وأخطاؤه في النهاية، وليس لمحمد مرسي الذي تكثَّفت أخطاؤه منذ اليوم الأول، وإنما هي إهانة لمصر.

كيف كان يمكن تفادي هذه الواقعة؟ بأن يدرك الرئيس أن مصر ليست عزبة لوريث ولا حرثا لحزب. خُيل إلى مبارك أن المصريين اعتادوا القبول والتقبل، وفات مرسي أن يدرك أن الثورة قامت ضد الفرعنة، فراح يمشي (أو يجلس) مثل فرعون. حاول مبارك تغيير وجهة الرئاسة، أما مرسي فحاول تغيير وجه مصر. غفل عن أن مصر مليئة بالمصريين، وظن أنها – وأنهم - لن تحاسب إلا بعد زمن.. لكن هذا الزمن قد انقضى. كان يجب أن ينتبه إلى عدد المستشارين الذين استقالوا في الأسابيع الأولى، غير ملتفتين إلى جاه أو وجاهة، وأن بعض وزرائه رموا حقائبهم وخرجوا، مقدِّمين كرامتهم على مناصبهم.

يؤسفني أن أرى رئيس مصر موقوفا.. يؤسفني. مبارك أراد أن يجعل ابنه جمال رئيسا على المصريين، و«الإخوان» لم يقدموا لهم سوى محمد مرسي. والخطأ الفردي مثل الخطأ الجماعي؛ كلاهما خطأ، وواحدهما لا يبرر الآخر. أخبرني سياسي مصري في بيروت قبل سنوات أن الرئيس السوري دعاه إلى الغداء. قلت له: ومتى ستذهب؟ قال: لن أذهب، لأن ذلك سيعطي الانطباع بأنني أبارك التوريث، «والتوريث في مصر حيودينا في داهية». أو ما هو أدهى.