عبد الغفار خان والجهاد المدني

TT

بذل غاندي جهودا كبيرة لجر المسلمين الهنود إلى فكرته عن اللاعنف والنضال اللاعنفي بعيدا عن العنف وسفك الدماء. دعا وآمن بتوحيد كل الأديان وقبول سائر معتقداتها باستثناء ما تناقض مع العقل، كما قال. سعى حتى للتوصل إلى الكلمات المشتركة بين الهندوسية والإسلام كالرحيم عند المسلمين وراما عند الهندوس. ودعا إلى توحيد اللغتين الأوردو والهندستانية.

كسب كثيرا من الأتباع المسلمين، وكان من أبرزهم عبد الغفار خان، زعيم قبائل الباهتان في شمال الهند. لكنه ترك كل ممتلكاته الإقطاعية الكبيرة لعشيرته وهاجر ليلتحق برسالة غاندي في تعبئة المسلمين للجهاد المدني.

كان من منجزاته تأسيس فرقة الـ«خداي خدمت كار» (خدمة الرب) التي بلغ تعدادها في الثلاثينات نحو مائة ألف مسلم. اتخذت هذه المجموعة برنامجا سلميا صارما يقوم على المحبة وخدمة الآخرين وتحاشي العنف بكل صوره. يتعين لمن يدخل هذه الفرقة أن يقسم بالله على أن يلتزم باللاعنف والنضال من أجل الوطن والامتناع عن الانخراط في أي جيش والابتعاد عن الطائفية والعنصرية وخدمة كل بني الإنسان من دون أي تفرقة. واستوحت حركة الـ«خداي خدمت كار» المبدأ الإسلامي طاعة ولي الأمر ما دام لم يخرج عن طاعة ربه، وكذلك فكرة كلنا من آدم وآدم من تراب، فلا فرق بين أجناس البشر أو أتباع الديانات المختلفة.

واجه الشعب الهندي هذا الامتحان العسير عندما طالب فريق آخر برئاسة محمد علي جناح بانفصال المسلمين عن الهندوس وتأسيس دولتهم الخاصة بهم (باكستان مع بنغلاديش). كان ذلك محنة كبيرة لعبد الغفار خان والمهاتما غاندي اللذين كرسا كل حياتهما لوحدة الهند بكل شيعها وطوائفها وقومياتها.

دفع ذلك غاندي إلى الإضراب عن الطعام في عملية أخرى من عمليات صيامه السياسي الجهادي. وترتب على إعلان استقلال باكستان حدوت شنائع طائفية دموية فظيعة وهجرة مئات الألوف من المسلمين وغير المسلمين من أماكنهم عبر الحدود. وكانت في رأيي، ورأي سائر المسلمين الذين بقوا في الهند، غلطة فظيعة، فلو أن كل المسلمين انضووا تحت راية دولة الهند الواحدة لشكل المسلمون الأكثرية الآن في الهند، ولأصبحت في يد المسلمين أكبر وأقوى دولة مسلمة ضاربة في العالم. كانت غلطة وياما غلطنا وغلطنا.

انتهت المحاولة بقيام هندوسي متشدد بالهجوم على غاندي وإطلاق الرصاص عليه وقتله على الفور. رسول السلام واللاعنف يقع ضحية للعنف. لكن عبد الغفار خان كان أكثر حظا فنجا من محاولة قتله. لكنه ظل يرفض الاعتراف باستقلال باكستان أو أن يطأ بقدمه أرضها. لم يعد له مكان في هذه الساحة فرحل إلى أفغانستان لحين من الدهر، ثم غادر إلى الولايات المتحدة لينهمك في مهمته الجامعية في تدريس ما آمن به من التاريخ السياسي والديني.

طالما سألني القراء لماذا عجزنا عن إنجاب رجل مثل غاندي. لقد أنجبنا.. ها هو واحد منهم، عبد الغفار خان، الذي تخلى عن ثروته وإمارته من أجل الجهاد المدني، لكن عالمنا الإسلامي نبذه مع من نبذ من دعاة اللاعنف.