سيرة الحب

TT

من يقرأ هذه السطور قد يظن أنني ما زلت مشغولة بقصص الحب من أول نظرة. فهذه قصة بدأت بنظرة من نيلسون مانديلا إلى فتاة اسمها ويني كانت واقفة علي محطة للحافلات في أحد أيام عام 1957 وأدت إلى زواج انتهى بطلاق في عام 1996.

ولكن الطلاق لم ينس الزوجين ما كان من فضل بينهما حتى هذه الأيام التي يرقد فيها مانديلا بين الموت والحياة في أحد مستشفيات بريتوريا. فقد كانت ويني رفيقة وشريكة في النضال فتجسد في ارتباطهما معنى أن يكون وراء كل عظيم امرأة.

مانديلا قاد شعبه إلى الحرية بفضل مقاومته المستميتة لنظام التمييز العنصري الذي أثقل كاهل وطنه وأبناء جلدته طويلا على أيدي النخبة البيضاء. كان النظام الاستعماري أورث تلك النخبة امتيازات وثروات لم يكن من السهل التخلي عنها بلا حرب استخدمت فيها كل أشكال التنكيل والتعذيب.

بعد سبع وعشرين عاما في سجون جنوب أفريقيا خرج مانديلا واستأنف المقاومة. خرج أكثر إصرارا من ذي قبل وأكثر علما وأكثر حكمة إلى أن تحقق الهدف. وتولى المناضل منصب الرئاسة فأصبح أول رئيس ملون للجمهورية في عام 1994 خلفا لديكليرك. تدريجيا اضطرت الدول الكبرى لنسيان لقب الإرهابي التي كانت ألصقته به بل وتطور الأمر إلى درجة حصوله على جائزة نوبل للسلام وإلى اعتراف العالم كله بصفاته كقائد لم تفتنه غطرسة ولم تفسده سلطة.

أصبح نيلسون مانديلا نموذجا للقائد الذي يحبه أصدقاؤه ويحترمه أعداؤه. أما الأصدقاء وهم كثر فتتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة وما بعدها بكثير. والدليل على ذلك الجماهير التي اجتمعت حول المستشفى للصلاة وإشعال الشموع والتغني بصفاته كأب روحي لشعبه، واهتمام وسائل الإعلام في العالم وبكل اللغات بتطور حالته الصحية والاحتفال ببلوغه الخامسة والتسعين.

من الجائز أن مهنة مانديلا وهي المحاماة منحته بعدا إضافيا من البلاغة والمنطق المنظم في تحليل الأمور ومخاطبة الجماهير. ولكن إن صح ظني فإن صفاته الإنسانية منحته كاريزما خاصة مكنته من الوصول إلى العقول والقلوب بسهولة ويسر. ولا شك أن إخلاصه لقضية وطنه وزهده في الماديات قربته من جحافل المظلومين والمحرومين وجعلته قائدا يتمتع بثقة رفعت شعبيته عاليا.

فما هي الدروس المستفادة من حياة هذا الرجل؟

هل يمكن القول بأن البحث عن قائد هو قضية شباب هذا الجيل الثائر؟ هذا الجيل تعرف جيدا على ما لا يريد، ولكنه لم يتعلم بعد ألف باء الوصول إلى ما يريد لأنه لم يحدد ملامحه وبنوده ومراحل الوصول إليه ولم يتعلم بعد تقديم العقل على العاطفة. وإلى أن يدرك أهمية ذلك لن يبدأ في البحث عن قائد مؤمن بقضيته ويمتلك الأدوات اللازمة لبلوغ الهدف.

تلك هي قصة الحب التي شغلتني طوال الأسبوع الفائت: حب الوطن وحب الشعب لقائد يخلص لقضيته.

وأتمنى أن تشاركوني التفكر في بعض ما قال نيلسون مانديلا عن الحياة وعن الحرية.

* ليس معنى أن تكون حرا هو أن تتخلص من الجنازير والسلاسل بل أن تعيش بأسلوب يحترم ويثري حرية الآخرين

* إذا اجتمع ذكاء العقل وذكاء الفؤاد أصبحا ثنائية هائلة، وإن أضيف لهما لسان أو قلم بليغ أصبحنا أمام إنسان فريد جدا.

* التعليم هو أمضى سلاح إن كنت تسعى لتغيير العالم

* قد من الخلف ودع الآخرين يظنون أنهم في المقدمة

* جزء من التفاؤل هو أن يبقى رأسك متجها نحو الشمس، ولا تكف قدماك عن التحرك إلى الأمام. وكم من لحظة قاتمة تحدت إيماني بالإنسانية ولكن الاستسلام لليأس لم يكن واردا. فالاستسلام لليأس هزيمة وموت.