القيادة والحمولة الزائدة

TT

على طريق الإسكندرية الصحراوي، الشاحنة ذات المقطورة تتلوى أمامي.. حمولتها الزائدة على الحد المعقول جعلتها أشبه بجبل يسير متعثرا على عجلات. الحمولة الزائدة ممنوعة في كل قوانين الدنيا لخطورتها على النفس والغير. من طريقة سيرها أدركت أن قائدها يعاني من متاعب في قيادتها لافتقارها إلى التوازن المطلوب.. لم أفكر في تخطيها.. أنا مغامر حقا؛ غير أني لست أحمق.. في أي لحظة من الممكن ألا تستجيب المقطورة للسائق وتصطدم بالسيارات الأخرى، وهذا ما حدث بالفعل بعد عدد من الكيلومترات؛ انقلبت المقطورة في ناحية والشاحنة في الناحية الأخرى..

حمدا لله، كنت بعيدا بما يكفي للإفلات من الكارثة، بدأ الناس ينقلون الجثث والمصابين، بينما انتحيت أنا على جانب الطريق لكي أكتب لك هذه الزاوية، ليكن ما حدث هو موضوعي؛ الحمولة الزائدة وخطورتها على النفس والغير. بدأت الصور تتوالى على ذهني.. السيارة الواقفة بجواري كانت بها سيدة زائدة الوزن جدا، هذا الوزن الزائد بالتأكيد يشكل خطرا عليها، وعلى الغير، والغير هنا هو زوجها.. ربما تتقلب على الفراش فتنقلب عليه فيموت مختنقا، أو بسكتة قلبية عندما يكتشف أنه عاجز عن دفع ثمن ما تستهلكه من مواد غذائية.

عند هذا الحد من التفكير، أضيئت فجأة كل المصابيح في عقلي لأكتشف أن خروج الرئيس المعزول محمد مرسي من القصر الجمهوري كان بسبب الحمولة الزائدة؛ لقد دخل القصر وهو يحمل على كتفيه كل القيم والأساطير القديمة للجماعة، وهي جميعا ليست لها صلة بشؤون الحكم، هي فقط كانت مخصصة للاستهلاك داخل الجماعة. وكان يحمل أيضا تعهدات ووعودا لجماعة حماس وربما لعدد آخر من الجماعات الإرهابية المتطرفة، نتيجة لخدمات «ديليفري» وصلت إليه وإلى الجماعة وحان وقت فواتيرها.. ثم حمولات ثقيلة من البشر؛ مرشد ومكتب إرشاد وأشخاص أقوياء من المستحيل أن يرد لهم طلبا.. كل هؤلاء أوصلوه إلى القصر، فهل يرد لهم طلبا؟

وهناك تلك الحمولة الأساسية التي لا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام أو إلى الخلف بغيرها، وهو مشروع الخلافة الإسلامية، وهو حجر الزاوية في المهمة الكلية.. طبعا هو يعرف، وهم جميعا يعرفون، أنها كذبة عظمى، ولكنها الكذبة التي تميز الجماعة عن غيرها.. إنها البضاعة التي تعطي الحمولة أهمية وقيمة.

لا شيء يمثل عبئا في حياة البشر أكثر من الأكاذيب، هي مبهجة لزبائنها بما تمثله من أمل بعيد، غير أنها تمثل عبئا على أصحابها ومصدرا للعذاب داخل أنفسهم. نتج عن هذه الحمولات الزائدة غير القانونية، اختلال في عجلة القيادة وعجز كلي عن التحكم في الحمولة، فلم تسقط على الأرض؛ بل في ثقب التاريخ الأسود بعد أن تركت للمصريين درسا بليغا تعلموا منه الكثير.

رجل الدولة مسافر بمتاع قليل، لا يحمل شيئا على كتفيه.. لا أثقال معلقة في رقبته.. ليس به ضعف تجاه أحد، ليس مدينا لأحد.. رجل الدولة يثق بالناس وتثق به الناس.. هو يحمل قيما وأفكارا وإرادة وحبا.. هذا الحب ينتقل لقلوب الناس بطريقة لا نعرفها، فيحبونه بدورهم، وإذا كانت هناك حمولة في حياته فهي همومهم، وهي حمولة خفيفة ومحببة ولطيفة.