النبض لا التواقيع

TT

كان سعيد فريحة يحب الرئيس فؤاد شهاب ويتمنى له أن يجدد. ولما رفض، ذهب إليه ومعه رئيس تحرير «الصياد» آنذاك، جان عبيد. قال فريحة للرئيس: لقد خذلت محبيك وخذلت البلد. كيف ترفض التجديد وفي جيبك عريضة وقعها ثلثا أعضاء مجلس النواب؟

قال فؤاد شهاب: يا سعيد، صحيح أن ثلثي المجلس معي، لكن نبض الناس ليس معي. الناس «تنقز» من فكرة التجديد بعد الذي حدث مع بشارة الخوري، فلماذا نحمل البلد أكثر مما يحمل.

صحيح أن الدكتور محمد مرسي انتخب بأكثرية 51% لكن نبض مصر تغير. والذي غيره هو محمد مرسي. وكذلك الإخوان. انتظر المصريون بعد 80 عاما تحولا عظيما ففوجئوا بمجموعة تغيرات صغيرة. واكتشفوا أن الإخوان لا يزالون حزبا لا حكما. وكان أحرى بالرئيس مرسي أن يوجه كلمة إلى الأمة وليس «إلى جنودنا في الأرض»، أي في رابعة العدوية، يقول فيها إنه أخفق في خدمة مصر كرئيس ولا يريد أن يخفق في خدمتها كمواطن.

طبعا هذا كلام صعب. وهو ليس في زهد فؤاد شهاب. كما أنه لا يملك قراره مثله، بل ثمة من يملك قراره عنه. والمحزن في الرئيس المعزول أنه لا يملك قرار الحكم ولا قرار التنازل. بدعة «المرشد» لم ترد حتى في النظام السوفياتي. و«المكتب السياسي» كان يساعد في قرار الحاكم لكنه لم يكن يملكه ولا يستملكه.

وفي أي حال «الإخوان» لم يكونوا حزبا حاكما. لقد انتخب مرشحهم رئيسا ولم ينتخب حزبهم حاكما. لكن انعدام التجربة يؤدي إلى الخلط. والخلط لا يعود يفرق بين الجمهورية ورابعة العدوية. وبين مصر ومحمد مرسي.

كان يكفي الدكتور مرسي أن يتطلع من النافذة ليرى أن مصر، إلا الحزب، تقول له إنها لم تعد تتحمل التجارب الخاطئة. وإنها دولة لا مركز تدريب على الحكم. وإن من يعترف بأنه «أصاب وأخطأ» يفقد الحق في تكرار كلمة الشرعية 78 مرة. وقد اختلط الرقم علي، لأنني قرأته مختلفا عند عدد من الزملاء المصريين. 58 و48 و78. وإن تكرر الكلمة ثماني مرات يكفي لأن تتهم بأنك لم تصدق أنك أصبحت رئيسا ولا تصدق أنك أصبحت رئيسا سابقا.

وأفضل صفة «سابق» على «المعزول» و«المخلوع» و«البائد» وسائر التعابير التي تناوب عليها عرب الثورات وتناوبت عليهم. لقد سئمنا عصر الألفاظ التي فرغنا منها ما لم يكن مفرغا. وملأنا الأجواء أمجادا ثم إهانات وماجدات ثم خائنات. ولو عرف بعض الزعماء العرب نبض الناس لاستحوا.