تحدي روحاني

TT

ما الذي يعنيه انتصار حسن روحاني بالنسبة لمستقبل إيران والعدد الهائل من مشكلات السياسة الداخلية والخارجية التي تواجه الجمهورية الإسلامية؟ من المناسب مخاطبة هذه التساؤلات في سياق الجدال حول الشرعية السياسية في إيران اليوم. تعتبر انتخابات إيران الرئاسية لعام 2013 بمثابة مثال على «الاستبداد الانتخابي»، والذي بموجبه تمثل النخب الحاكمة واجهة لمنافسة ديمقراطية بهدف مخاطبة أزمة شرعية وتهدئة الإصلاحيين وإخفاء الآليات القمعية لسلطة الدولة، وفي نهاية المطاف من أجل إعادة إنتاج هيمنتهم على المناخ السياسي المحلي.

يعتبر فوز روحاني بمثابة تطور مهم. لقد نظم حملة لدعم الحريات المدنية وتأييد الديمقراطية مجسدا الشعبية المستمرة لهذه الأفكار داخل المجتمع الإيراني. وعلى الرغم من ذلك، فإن انتصاره الانتخابي لم يغير الهيكل الأساسي للسلطة داخل إيران. فيما يتعلق بكل القضايا الرئيسة التي تهم المجتمع الدولي – المسألة النووية والسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة واحترام حقوق الإنسان الأساسية والديمقراطية – يظل القرار النهائي في أيدي مجموعة ضيقة من اللاعبين يقودهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي ما زالت سلطته كما هي لم تنقص.

على مدى معظم تاريخ إيران ما بعد الثورة، كانت الانتخابات في العموم نزيهة، ولكنها لم تكن حرة. يتم إخضاع كل المرشحين المحتملين لفحص دقيق من قبل مجلس أوصياء غير منتخب للوقوف على مدى ولائهم الآيديولوجي للنظام. بالطبع، بعد أن تنتهي هذه العملية، دائما ما يكون هناك ارتباط وثيق بين عدد أصوات الناخبين والنتائج النهائية المعلن عنها. لكن هذا بدأ يتغير في عام 2000، عندما واجهت القلة الحاكمة في إيران أكبر تحدياتها الداخلية منذ الثورة، ألا وهو صعود حركة إصلاح سعت لتطبيق النظام الديمقراطي على الجمهورية الإسلامية من الداخل.

كانت الانتخابات الرئاسية عام 2009 نقطة تحول، حيث شهدت أكثر عمليات التزوير وضوحا في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وخوفا من عودة للتيار الإصلاحي واستنادا إلى زيادة الدعم لمير حسين موسوي، جرى إعداد عملية تزوير انتخابي مفصلة وفرضها على الشعب الإيراني. بالنسبة للنظام الإيراني، تعين احتواء تهديد الديمقراطية والقضاء عليه. واستطاع النظام في نهاية الأمر أن يهيمن عبر أساليب القمع المفروضة من الدولة. هزت سلسلة من مظاهرات الشوارع المتواصلة التي استمرت ستة أشهر الجمهورية الإسلامية وصولا إلى مؤسساتها. ونتيجة لهذه الأحداث، تعمقت جذور الاستبداد السياسي على جميع المستويات وحدثت أزمة شرعية كبرى بعد انتخابات عام 2009.

ومثلما أكد قادة إيران مرارا وتكرارا، أثناء وبعد الانتخابات، كان الهدف الأساسي لانتخابات عام 2013 هو تشجيع أعلى نسبة مشاركة من الناخبين. كان الجمهور الرئيس هو الغرب، وكان مفاد الرسالة التي يأملون في نقلها هو أن جمهورية إيران الإسلامية تتمتع بشرعية داخلية واسعة النطاق. جرى الإعلان عن الشرط الأساسي الحقيقي للترشح لمنصب رفيع في الجمهورية الإسلامية من قبل النظام، مع اقتراب الانتخابات: كان الولاء للمرشد الأعلى هو المعيار الرئيس. ومن ثم، فإن من بين الأشخاص البالغ عددهم 686 الذين سجلوا أسماءهم لخوض سباق الانتخابات، لم يجتز سوى ثمانية فقط منهم فحص مجلس الأوصياء، والذين كان معظمهم حلفاء أقوياء للمرشد الأعلى. كان من بين المتنافسين المستبعدين الرئيس الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي اتهم بالتآمر لمحاولة زعزعة استقرار النظام الإيراني من خلال دعم الحركة الخضراء.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الحركة المؤيدة للديمقراطية في إيران قد رحبت بانتخاب حسن روحاني. لا يزال كثير من أفراد الحركة في حالة نشوة، ويرجع ذلك جزئيا إلى قدرتهم على حشد الدعم للمرشح الذين كان المتشددون الإيرانيون لا يشعرون بالارتياح تجاهه تماما. إنهم يعتبرون نتيجة الانتخابات انتصارا ضئيلا، ولكنه مؤثر في الصراع من أجل الديمقراطية، نظرا لأن النظام الإيراني قد أجبر على تقديم تنازل تكتيكي نظرا للضغط من أسفل. ثمة توقعات هائلة الآن من رئيس إيران الجديد المنتخب. ترى هل سيكون قادرا على تحقيقها على أرض الواقع؟

ثمة حدث وقع قبل ستة عشر عاما يستحق منا أن نسترجعه. في تلك الفترة، كانت هناك حالة مماثلة من النشوة والتوقعات الهائلة بشأن تغير سياسي نوعي في إيران. كان محمد خاتمي الفائز المفاجئ في انتخابات رئاسية ساحقة في عام 1997 وعدت بأخذ إيران في اتجاه سياسي جديد.

بصرف النظر عن إخلاص جهود خاتمي ونجاحاته المبكرة في إضفاء الطابع الديمقراطي على السياسات الإيرانية والمجتمع الإيراني وتحريرهما، إلا أنه قد أخفق في النهاية. وقد كان هذا راجعا بالأساس إلى رد فعل محافظ متفق عليه، بدعم من مكتب المرشد الأعلى، الذي نظر إلى برنامج خاتمي الإصلاحي بوصفه تهديدا مباشرا لهيكل السلطة داخل الجمهورية الإسلامية. بعبارة أخرى، كان البعدان الجمهوري والإسلامي في نظام إيران السياسي المتفرد في حالة صدام، وحينما استقر الغبار، أثبت البعد الإسلامي كونه أكثر استمرارية.

إذا حاول روحاني الوفاء بتعهدات حملته الرئاسية وتلبية المطامح الديمقراطية لهؤلاء الإيرانيين الذين أعطوه أصواتهم، فسوف يواجه العقبات نفسها التي واجهها محمد خاتمي. الانتخابات تأتي وتذهب في إيران، بعضها أكثر نزاهة من الأخرى (ليس أي منها حرا)، لكن يبقى عنصر أساسي فاشي جديد في قلب هذا النظام؛ وهو الدولة العميقة. وهي مدعومة بعائد النفط الذي يحرك شبكة رعاة وزبائن، وهي تتلاعب بسخرية بموضوعات معاداة الإمبريالية والأصالة الإسلامية للحفاظ على قوتها السياسية وتخليدها. إنها سمة دائمة للسياسات الإيرانية ولن تزول من دون ضغط كبير من الأسفل، بصرف النظر عن واجهة الانتخابات الحرة وخطب الحملات المفوهة المصاحبة لها.

* مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في مدرسة «جوزف كوربل» للدراسات الدولية في جامعة دنفر.

* تنقيح لمقال نشر في عدد ربيع 2013 من «كايرو ريفيو للشؤون الدولية».

www.thecairoreview.com