إخوان مصر وخصومهم.. أمام امتحان

TT

الأحد قبل الماضي، وصلني إيميل بتوقيع (Kylil Morrow ــــ 18 عاما) من جامعة ميتشيغان، تضمن السؤال التالي: هل تتوقع أن يتكرر في مصر ما يجري في سوريا، ولكن ليس بين المصريين والجيش، بل بين الإخوان المسلمين والعلمانيين؟ أجبت بالتالي: لست أعتقد أننا أمام خطر حرب شوارع في مدن مصر الرئيسة على نحو ما نرى في سوريا، لكن الجهاديين لن يجعلوا مهمة الجيش سهلة خارج القاهرة وغيرها. أما الوصول إلى تسوية بين الإخوان المسلمين وغيرهم، علمانيين أو آخرين، فقد لا تتحقق أبدا.

لو تلقيت الإيميل ذاته هذا النهار، لاختلف ردي، وهنا السبب. واضح أن المشهد المصري يتحرك بسرعة نحو انفجار حرب أهلية تنفخ الأقلية في نارها من دون انشغال ضمائر من يحركونها بمستقبل أكثرية ليست تريد أكثر من العيش الكريم الآمن. نعم، رغم الكثرة العددية، وبصرف النظر عن تبادل التهم بشأن من استخدم «الفوتوشوب» ضد من، لتهويل الأعداد، فإن الحشود المستوطنة ميدان التحرير، وتلك المعتصمة برابعة العدوية، تظل قياسا لمجموع تعداد المصريين أقلية. سيقول محاججون من الجانبين، ما فحواه أن تلك الجموع تشكل نسبة تمثل أضعاف أضعاف أعدادها. في المقابل، أعتقد أنه بعدما حسم الجيش الأمر بما اعتبر انحيازا لجانب الأغلبية، وبعدما قوبل عزل محمد مرسي بدرجات متفاوتة من القبول، الرضا، الصمت، أو الدعم، من جانب أغلبية المجتمع الدولي، فإن تلك المحاججة فقدت أهميتها، تجاوزت الحاجة إليها، لم تعد سارية المفعول، والإصرار عليها من جانب أهل التحرير، أو عشيرة الرئيس المعزول، هو نوع من الدخول في عقيم جدل لن يولد سوى مزيد من تعطيل عودة مصر إلى إيقاع حياة طبيعي.

أخطر من ذلك، أن استمرار تعطيل الاستقرار يتوازى مع تصاعد خطر يوقف مصر على شفير حرب أهلية سيمتد حريقها من سيناء إلى مرسى مطروح، فضلا عن الصعيد والأرياف. إخماد نار تلك الحرب، قبل اتساع دائرتها، هو امتحان يواجه كل طرف فاعل، أيا كان موقع فعله، وحجم تأثير دوره، لكنني سأجازف، إذ أتوقع رد الفعل الغاضب، فأقول إن العبء الأكبر يقع على أكتاف أولياء أمر جماعة الإخوان المسلمين، أكثر من غيرهم.

لماذا؟ باختصار، لأنهم الأقوى، وفي الآن نفسه، هم الأضعف. تكمن قوة مكتب إرشاد الإخوان المسلمين في البيعة. كما هو معروف، كل من يبايع ولي أمر الجماعة يلزم نفسه بالسمع والطاعة. هذا عنصر قوة مهم. أما الضعف، فيتمثل في أن ما يقرب من ثلثي المصريين هم خارج ذلك الإلزام. النجاح السريع لحركة «تمرد» في جمع تواقيع ملايين الناس، مؤشر على فشل الجماعة، الأسرع من المتوقع، في تحقيق التفاف حولها أوسع من أطر التنظيم، مما يعني أن تأييد «تمرد» هو احتجاج موجه ضد فكر جماعة الإخوان وحكمهم.

السؤال الآن هو: هل يقبل أولياء أمر الجماعة بهذا الاستنتاج؟ حتى لحظة تحرير هذا المقال، ليست هناك شواهد تدل على قبول قيادة الجماعة بواقع مصر ما بعد 30 يونيو (حزيران) الماضي. هم بذلك يهملون مصدر قوتهم الذي يمكنهم من اجتياز امتحان إنقاذ مصر بنجاح سوف يسجل لصالحهم. لو حصل ذاك القبول لكان بوسع مكتب الإرشاد إصدار الأمر بانسحاب «الإخوان» من كل شارع وميدان. هكذا أمر ملزم التنفيذ. ذلك من شأنه الدفع بالتي هي أحسن، مثلما أنه يعني تطبيق مبدأ معروف يقول بمنطق دفع الضرر، بالأقل ضررا، وهو هنا التسليم بفشل تجربة الحكم، والقبول بالرجوع إلى مقاعد المعارضة.

ما سبق لا يعني أن مسؤولية باقي أطراف الامتحان أقل أهمية، وإن بدا العبء أخف، كونهم في الموقع الأقوى. فقيادات «تمرد»، مثلا، وغيرها من التيارات، مطالبة بمراجعة للمواقف بقصد إثبات جدية النية في احترام الأطياف والتوجهات كافة. يجب تفهم حاجة الإخوان المسلمين للطمأنة بأنهم لن يطردوا من الساحة السياسية، ولن يطاردوا في عمل أو وظيفة. ثم هناك أيضا مهمة من دونها يصعب تخيل بدء مشوار المصالحة. أعني إخلاء سبيل الدكتور محمد مرسي، خصوصا مع اقتراب العشر الأواخر من شهر رمضان، دعوا الرجل يرجع إلى بيته وأسرته. ما المشكل في ذلك، وأين الضرر، إن لم يحصل النفع؟

إنما في ضوء خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي أمس، من الصعب تخيّل أن الإفراج عن مرسي أمر محتمل. الأرجح أن الأمور تتجه نحو تصعيد ليس من السهل تصور ما سينتهي إليه.

ترحب مصر بزوارها فتدعوهم لأن يدخلوها آمنين. أليس حريا بأهلها أن يفعلوا كل ما بوسعهم، فيؤثرها كل منهم على نفسه، كي يكونوا هم أنفسهم آمنين على كل شبر من ترابها؟ بلى.

***

أسرة وناس

يحدث ما هو متوقع، أو يطرأ حدث مفاجئ، فيتعرف المجتمع، من جديد، على ما عرفه منذ زمن بعيد، كيف تقاس علاقة أسرة واحدة مع ناس يتشكلون من ملايين العائلات. شهدت بريطانيا، في الماضي القريب، وتشهد منذ مساء الاثنين الماضي، حالة كهذه منذ وضعت الدوقة كيت مولودها البكْر، الذي احتل ترتيبه على الفور كثالث وريث محتمل لعرش آل وندسور بعد والده الأمير ويليام، وجده الأمير تشارلز. شهدنا تدفق تلك العاطفة العفوية في علاقة البريطانيين بالأسرة المالكة في حالة الحدث المفاجئ، يوم فجع عالم بأكمله بموت الأميرة ديانا في ذلك الحادث المفجع. ورأيناها تشع بالفرحة يوم زواج ويليام وكيت، ثم في ذلك الفرح الجماعي، العام الماضي، ابتهاجا باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث الثانية.

جميل أن ترى العاديين من البشر يخيمون بضع ليال أمام مستشفى سانت ماري في انتظار وضع طفل، كأنما هو لكل منهم، وليس فقط لوالديه. في الواقع، هو كذلك، بالنسبة للمقبلين من أجيالهم، إنْ صار مليكهم وهم رعاياه. مبروك.

[email protected]