ظريف منسي من الإسكندرية

TT

نتذكر جميعا ظرفاء مصر؛ عبد العزيز البشري وإمام العبد والمازني وفكري أباظة، ولكننا ننسى صديقي الإسكندراني فؤاد الجميعي الذي فاكهني وأضحكني حيا وميتا، وهو ما لم يستطع عليه أي ظريف في التاريخ.

كنا أصحابا حميمين في إذاعة لندن. جمعتنا روح الفكاهة. كان جالسا بجانبي وأنا أسوق سيارتي في طريق ذي ممرين يفصلهما خط أبيض كالمعتاد. وضايقني سائق إنجليزي كان يجري بسيارته ببطء كبير فوق هذا الخط فلا يترك لي مجالا لتجاوزه من اليمين أو اليسار. اشتد بي الغضب. رحت أسب وألعن وأشتم ! لماذا لا يسير على واحد من الممرين كما يجب. يمينا أو يسارا؟

«طوّل بالك يا خالد! هذا راجل إنجليزي متعلم على الكومبرومايس (الحل الوسط)»!

وفي مناسبة أخرى كان هو الذي يسوق السيارة. لم يكن الغضب من طبعه. ولكنه كثيرا ما كان يثور على أحوال بلادنا المتخلفة، وبصورة خاصة ما يجري في مصر.. «مافيش كلام. ده نحن أصلنا ناس أغبيا! ناس حمير»! وفي سورة الغضب على ما سمعناه من الراديو عما يجري في القاهرة، رأيته يتجاوز إشارة المرور الحمراء. لكزته على خصره، «حاسب يا فؤاد! ده انت نطيت على الضوء الأحمر».

«ما كنت أقول لك! كنت أقول لك إيه؟ ده نحن ناس حمير!»

يرحمك الله يا فؤاد الجميعي. فحتى وأنت تواجه الموت لم تمت فيك روح النكتة المصرية الأصيلة. يرحمك الله ويرحم مصر معك.

ومات فؤاد ولم تمت فكاهته! افتقدته كثيرا. وكأنه أحس في قبره بافتقادي له. فتراءى لي ليلا في منامي. قلت لطيفه هازلا كعادتي معه: «إزيك يا فؤاد بيه؟»

«أنا كويس قوي. تخلصت من السرطان ده الوقت. أنا الآن ميت!»

فهل سمعت بأحد يسخر ويهزر حتى في قبره!