التفاوت العرقي في مخرجات الرعاية الصحية

TT

صحيح أن تلقي المستويات العالية من الرعاية الصحية «سلعة» ذات تكلفة مادية، وبالتالي ينالها من هو قادر على دفع تكاليفها ويحرم منها من هم غير قادرين، إلا أن ذلك لا يكفي لتبرير التمييز في تلقي الحد الأدنى من الرعاية الصحية. وصحيح أننا قد نتقبل أن سكان المدن الرئيسة أو المقتدرين ماديا أو ذوي المستويات التعليمية العالية يجنون أكثر من غيرهم فوائد تلقي الرعاية الصحية، إلا أن ذلك لا يكفي لتبرير التميز في جني فوائد الرعاية الصحية، على حسب نوع العرق الذي ينتمي إليه الإنسان.

ومن أول مبادئ جودة أي نظام لتقديم الرعاية الطبية، وكذا أبجديات حقوق وواجبات المريض، أن تتم معالجة المرضى دون تمييز بحسب العرق أو أي فروق بشرية أخرى. ولكن ذلك التمييز يقع، ومن أكثر أنظمة تقديم الرعاية الصحية تقدما في العالم، وهو ما يلقي بظلاله على مخرجاته مثل تقليل الوفيات.

وفي الثامن عشر من يوليو (تموز) الحالي، عرضت المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (U.S. Centers for Disease Control and Prevention) تقريرها الإحصائي المتضمن أنه على الرغم من تحسن مؤشر «العمر المتوقع» (life expectancy) بين سكان الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين إلا أن الأميركيين السود (black Americans)، على حد وصفها، لا يزالون يموتون مبكرا بمدة أربع سنوات مقارنة بعموم الأميركيين البيض (white Americans)، على حد وصفها أيضا. وقالت الوكالة إن التفاوت أو التميز (disparity) يحصل لأسباب عدة أهمها ارتفاع الوفيات بين الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية نتيجة الإصابة بالأمراض السرطانية ومرض السكري وأمراض القلب وجرائم القتل والسكتة الدماغية.

وقال كين كوشنك، واضع التقرير بالوكالة المذكورة: «التفاوت في مقدار العمر المتوقع كان أكبر في الماضي، ولكنه لا يزال موجودا وبحدود نحو أربع سنوات». وعلقت الدكتورة إلين ميرا، الأستاذة المشاركة في مؤسسة دارتماوث في نيوهامشر، بالقول: «رسالة التقرير متسقة مع تقارير مماثلة تم نشرها في السنوات القليلة الماضية، وتحمل أخبارا متفائلة وواقعية لمن يعملون على ردم الهوة في العمر المتوقع بين الأعراق المختلفة»، في إشارة منها إلى أن معدل التحسن في مقدار «العمر المتوقع» بلغ 17% بالنسبة للسود مقارنة بـ10% بالنسبة للبيض خلال نفس الفترة الزمنية، أي ما بين 1970 و2010. وأضافت: «هذا يبين أن بالإمكان تقليص الفارق مع مرور الوقت».

إلا أن البروفسور ستيوارت جاي أولشانسكي، من كلية الصحة العامة في إلينويز بشيكاغو، علق بالقول: «السؤال الواضح هو التالي: لماذا معدلات الوفيات بسبب هذه الأمراض لا تزال عالية بين السود؟»، على حد وصفه. وكان البروفسور أولشانسكي قد نشر في مجلة «الشؤون الصحية» (Health Affairs) دراسة في أغسطس (آب) من العام الماضي حول هذا التفاوت وعلاقته بالمستوى التعليمي، وقال: «حينما فعلنا ذلك، كان التفاوت في الوفيات كبيرا جدا بين فئة الأدنى تعليما للسود والأعلى تعليما للبيض، وحتى بين الأفراد من نفس العرق، كان التفاوت في الوفيات على حسب تفاوت المستوى التعليمي».

ولكن خبيرا ثالثا، وهو الدكتور سام هاربر، من جامعة ماك غيل في هاملتون بكندا، أفاد بالقول: «هذا التقرير يؤكد أمرين نعلمهما، الأول أن مقدار العمر المتوقع للسود متأخر عما هو للبيض بمقدار هامش لا يزال كبيرا، والثاني أن الأسباب الرئيسة لذلك التفاوت في الوفيات يمكن منع حصولها والوقاية منها». وأضاف: «علينا أن نركز جهودنا في خفض عوامل الخطورة الرئيسة للإصابات بأمراض القلب التي تؤثر بشكل أبلغ على السود وأن نتأكد من أنهم يستفيدون من التطورات في معالجة الأمراض السرطانية والقلبية، ومضاعفة جهودنا نحوهم هو ما سيقلل الفارق بين وفيات البيض والسود»، على حد وصفه.

وعلق خبير رابع، وهو الدكتور روبرت غراهام، طبيب الباطنية في مستشفى لينوكس هيل في مدينة نيويورك، من جهته بالقول: «هذا التفاوت مرتبط بالقدرة على الحصول على الرعاية الطبية لهذه الأمراض التي تصيب مجتمعات الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية».

وبمراجعة مجموعات من الدراسات الطبية الصادرة في الولايات المتحدة، خلال الفترة ما بين أبريل (نيسان) ويوليو (تموز) لهذا العام، والمنشورة ضمن حزمة الأخبار الطبية للمراكز القومية للصحة بالولايات المتحدة (NIH)، هناك نحو 30 دراسة وتقريرا تتحدث عن التفاوت والتمييز في تلقي الرعاية الصحية، منها ما يتعلق باختلاف تلقي الرعاية الطبية باختلاف الولاية التي يسكنها الشخص، والتفاوت العرقي في تلقي المعالجة الإسعافية، وتدني تلقي أفراد الأقليات لمسكنات الألم، والتفاوت العرقي في معالجة سرطان الدم، وتدني تلقي نساء الأرياف المعالجة السليمة للأورام السرطانية، وكما يتفاوت تشخيص إصابات أطفال الأقليات العرقية بالاضطرابات العقلية، كما أنهم أقل تلقيا للرعاية الصحية اللازمة لذلك. ويتأخر علاج مرضى سرطان البروستاتا السود، كما يتأخر علاج مريضات سرطان الثدي من الأقليات، ويؤثر نوع العرق على فرص تلقي معالجة الفشل الكلوي وغيرها، استنادا إلى الدراسات الطبية المماثلة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]