مؤشرات سياسية للاتحاد الأوروبي

TT

وافق وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم، يوم الاثنين، بالإجماع على إدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. وقد لقي هذا الاتفاق ترحيبا كبيرا باعتباره انتصارا دبلوماسيا للمملكة المتحدة، التي قادت العملية التي قوبلت بموافقة حاسمة من فرنسا وألمانيا في مايو (أيار) من هذا العام. وكان بين أهم داعمي قرار الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة وإسرائيل وهولندا، ثلاث دول تدرج حركة حزب الله بأكمله على أنه منظمة إرهابية.

كان تفجير الحافلة في بلغاريا في يوليو (تموز) 2012 الذي أسفر عن مصرع خمسة سياح إسرائيليين وسائقهم، والتي قامت السلطات البلغارية بالتحقيق فيه بالتعاون مع اليوروبول وغيرها من الشركاء الدوليين، أحد المبررات الرئيسة لهذا القرار. وكذلك عقوبة السجن أربع سنوات التي أصدرتها محكمة قبرصية بحق عضو حزب الله بتهمة التخطيط لمهاجمة أهداف إسرائيلية في الجزيرة.

أقر الحلفاء الأوروبيون بما قام به حزب الله في بلغاريا وقبرص، ولكن توقيت وسياق إعلان الاتحاد الأوروبي يؤكد ما هو معروف بالفعل من أن تورط الحزب في النزاع السوري لدعم الرئيس بشار الأسد وزنه هو الذي أثر على خيار الاتحاد الأوروبي. عندما أصبح موقف فرنسا في هذا الشأن علنيا قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن حزب الله خالف الإجماع الذي كان قائما بين الأطراف السياسية اللبنانية على عدم التورط في حرب أهلية في سوريا.

وجهت انتقادات إلى هذه الخطوة باعتبارها غير منطقية. وأن الحملة التي شنتها وكالات إنفاذ القانون الأوروبي على عمليات حزب الله في أوروبا، بما في ذلك جمع التبرعات، ستواجه بشبكة كبيرة للغاية وغير رسمية تنتشر عالميا. فالأنشطة العسكرية لحزب الله محاطة بسرية بالغة أيضا، كما يخفي مقاتلوه في كثير من الأحيان هويتهم وانتماءهم.

وينظر إلى القرار أيضا باعتباره غامضا بسبب التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله، وصعوبة فصل أحدهما عن الآخر. فقد رفض حسن نصر الله ذاته وجود مثل هذا التقسيم داخل المنظمة. ففي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية، قال إبراهيم الموسوي، المتحدث باسم حزب الله، إن «حزب الله منظمة واحدة كبيرة، وليس لدينا أجنحة منفصلة عن بعضها البعض. وإن ما يقال في بروكسل غير موجود بالنسبة لنا».

لكن هذا التمييز يحمل هدفا واضحا بترك الباب مفتوحا أمام قنوات الاتصال الرسمية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وقيادة حزب الله. هذا مهم من وجهة نظر الأوروبيين. وتشير إلى أن الأوروبيين يدركون أن حزب الله أصبح القوة المهيمنة في السياسة اللبنانية ومحددا رئيسا في استقرار - عدم الاستقرار البلاد. وهناك أيضا مخاوف بشأن سلامة قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) المنتشرة في جنوب لبنان، في المنطقة الواقعة على الحدود مع إسرائيل والتي يسيطر عليها حزب الله. هذا القلق، في الواقع، كان أحد العناصر وراء حذر الأوروبيين في معاقبة المجموعة.

لا يمكن التنبؤ بعواقب قرار الاتحاد الأوروبي، بيد أنه لا يتوقع أن يكون له أي أثر واضح على الاستقرار داخل لبنان. فهناك توافق نسبي بين الفصائل السياسية اللبنانية على أن تأييد مثل هذا القرار سيسهم فقط في مزيد من التطرف في السياسة اللبنانية. وقد عبرت شخصيات سياسية رئيسية مختلفة، بما في ذلك الرئيس اللبناني ميشال سليمان والقائم بأعمال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، عن اعتراضاتهم صراحة.

ولكن رغم الطبيعة المسالمة على ما يبدو لتحرك الاتحاد الأوروبي، على المرء أن يدرس المستوى الرمزي السياسي عند تفسيره لقرار الاتحاد الأوروبي. فهو في الواقع، يبعث برسائل في عدة اتجاهات. فهو يشكل تحذيرا لحزب الله حول مشاركته في الصراع السوري لدعم زعيم تعتبره أوروبا ديكتاتورا غير شرعي ودمويا.

كما يبعث برسالة إلى إيران قبل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني. وإدانة غير مباشرة لتأييد إيران تورط حزب الله في سوريا والحزم قبيل الجولة المتوقعة للمفاوضات بشأن برنامج إيران النووي؛ في إشارة إلى القيادة الجديدة على أن الخطاب وحده لا يكفي لتغيير المعادلة.

سيسعد القرار الولايات المتحدة، الحليف الرئيس لأوروبا، وتصفية الأجواء مع إسرائيل، بعد أسبوع واحد فقط من إصدار الاتحاد الأوروبي مبادئ توجيهية لحظر التمويل والتعاون مع المؤسسات الإسرائيلية في جميع الأراضي التي استولوا عليها خلال حرب عام 1967. وبالتالي تمهد الطريق أمام جهود وزير الخارجية الأميركية جون كيري لإحياء محادثات السلام.

ما هي أهمية هذه الرسائل؟ ربما لا تتمكن من تغيير الأوضاع على الأرض، ولكنها كافية لتوليد ردود فعل قوية من جميع متلقي الرسائل.