حرب فتاوى في مصر

TT

يقولون إنه يوم الفرقان في مصر، لكنه ليس فرقانا وفق الرؤية الإخوانية فقط، فهو أيضا يوم فرقان بنظر ورؤية غيرهم.

الميراث الإسلامي، والذاكرة الوجدانية للرموز والقيم ليست حكرا ولا ملكا لفريق محدد لا هنا ولا هناك، وكلمة الفرقان ذات الإيحاء الديني والتاريخي ليست ملكا للإخوان ولا لغيرهم.

اندلعت حرب فتاوى بين الفريقين في مصر، فريق بديع ومرسي والإخوان، وفريق (الفريق) السيسي والجيش وكل القوى و«المؤسسات» المخالفة للإخوان، بما فيها مؤسسة الأزهر الدينية.

مرشد الإخوان المتواري من قبضة الأمن صعق الجميع عندما كتب في رسالته الأسبوعية الأخيرة، إن قيام وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بعزل الرئيس محمد مرسي، يفوق «هدم الكعبة». وقال بديع بحرارة وحسم: «أقسم بالله غير حانث إن ما فعله السيسي في مصر يفوق جرما ما لو كان قد حمل معولا وهدم به الكعبة المشرفة حجرا حجرا». وربما يعذر المرء بديعا، بسبب صدمته النفسية من انهيار حكم الإخوان.

أما فقيه الإخوان الأشهر، الشيخ يوسف القرضاوي فلم يتأخر هو الآخر عن الانتصار للإخوان، عبر ما يحسنه وهو الفتوى وتعبئة العموم، وقال على الموقع الرسمي له، إن دعوة قائد الجيش المصري، عبد الفتاح السيسي، للتظاهر، تعتبر تحريضا على القتل، وحرم الاستجابة لها.

في الطرف الآخر، ألقى الأزهر بثقله لصالح التظاهر «ضد الإرهاب» كما دعا لها قائد الجيش المصري، ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب المصريين إلى تلبية دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد القوات المسلحة المصرية للاحتشاد الجمعة في ميادين مصر «بصورة سلمية وحضارية». وتحت عنوان «نداء الأزهر الشريف» خاطب الشيخ الطيب في كلمة وجهها عبر التلفزيون المصريين، قائلا «أيها المصريون هبوا لإنقاذ مصر مما يتربص بها». وختم شيخ الأزهر بيانه مذكرا المصريين بالقول: «إن أزهركم يدعوكم أن تحرصوا كل الحرص على التعبير عن رأيكم بصورة سلمية».

ما هي العبرة من هذه البيانات المتناقضة في توجهاتها السياسية، المتفقة في الاصطباغ بصبغة دينية؟

العبرة هي أن الصراع هو صراع دنيوي لا ديني، والخلاف سياسي وليس إيمانيا.

لا علاقة للمقدس بكل هذه الخصومات بين البشر، الوجدان الديني يعلو فوق هذه الإحن والحزازات. أو هكذا يجب أن يكون الأمر.

أقول هذا رغم أن الأزهر، بحكم التاريخ المديد، والتأهيل العميق، هو الأولى بالتحدث باسم الفقه والدين، وليس مرشدا سياسيا لجماعة سياسية يحمل تخصصا في الطب البيطري، أو حتى الشيخ القرضاوي، الذي رغم أنه من أهل الفقه، إلا أنه منخرط للنخاع مع هذه الجماعة السياسية، ثم هو فرد واحد لا ينهض لمقارعة الأزهر بمئات علمائه، وعشرات القرون من الزمن.

حاصله: نحن أمام صراع بشري صرف. بشري فقط.