سلطة الآيديولوجيا.. وبهتان الادعاءات

TT

تنكشف بشكل متسارع حقيقة الدور الإيراني السلبي لزعزعة الوضع البحريني، والأمر هنا لا يتعلق بمجرد تخمينات أو انسياق وراء الإعلانات المتكررة عن اكتشاف خلايا ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني تعمل على إثارة الوضع الأمني في البحرين، وإنما يعود إلى التأكيدات الواضحة والصريحة من عدد من كبار المسؤولين في إيران، ليس حول مساندتهم ودعمهم للتدخل في الشأن البحريني فحسب، بل حول ادعاء تبعية البحرين السياسية لإيران، وهو أمر يكاد يتكرر يوميا عبر التصريحات السياسية والإعلامية، ولا يجري نفيه رسميا من السلطات الإيرانية.

فمنذ فترة ادعى أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، وهو حجة الإسلام علي أكبر نوري، رئيس التفتيش العام في مكتب قائد الثورة الإيرانية، تبعية البحرين لإيران. جاء ذلك في خطبة رسمية حماسية ألقاها بمناسبة الاحتفال بانتصار الثورة الإيرانية حينها.. وقد برر حينها أصحاب النوايا الحسنة مثل هذه الدعاوى غير المسؤولة، بأن للخطب الحماسية مقتضياتها التعبوية، وأنها بالتالي غير جدية في ترجمتها السياسية، ولكن كيف سيبرر هؤلاء «الطيبون» وجود نفس الدعاوى في افتتاحية تحليلية منشورة في صحيفة «كيهان» (شبه الرسمية) للسيد حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى، ومدير تحرير هذه الصحيفة، ودون أن تكون مناسبتها «ثورية» تبيح الخروج عن النص، وقد جاء فيها مثلا: «إن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية... » إلى آخر ما قال من كلام.

إن مثل هذه الدعاوى التي يصعب التنصل منها أو تبريرها، تطرح عددا من التساؤلات المشروعة، منها:

- هل يحق لنا الاستخفاف بمثل هذه التصريحات والاكتفاء بتصنيفها ضمن الهوس السياسي؟ أم يجب أن نأخذها مأخذ الجد؟

- كيف يمكن فك الشفرة في الموقف الإيراني الدبلوماسي الرسمي (الذي يستخدم خطابا أقل حدة وادعاء) وبين الادعاءات الشفهية والمكتوية لكبار المسؤولين الإيرانيين من ذوي المقامات العالية في سلم التنظيم السياسي - الديني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

- هل يعقل تصنيف تلك الدعاوى الخطيرة التي تمس سيادة واستقلال بلد عربي عضو في منظمة الأمم المتحدة، وفي الجامعة العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ضمن باب «اللغو السياسي» أو ضمن باب «الكلام» غير المسؤول الصادرة عن مسؤولين كبار وقريبين جدا من متخذي القرار، مثل السيد شريعتمداري الذي سبق له أن شغل منصب مدير الاستخبارات الإيرانية، وهو - بهذه الصفة - الأقدر على معرفة معاني الكلمات ودلالاتها السياسية وترجمتها على الأرض، ويعلم ولا شك مخاطر مثل هذه الادعاءات الخطيرة؟.

- ما الأسباب التي تجعل مثل هؤلاء «المسؤولين» يطلقون مثل هذه الدعوات غير المسؤولة في العرف الدبلوماسي؟

- ماذا يعني إطلاق مثل هذه الدعاوى المرفوضة من شعب البحرين - بكافة طوائفه - الذي حسم أمره بخصوص هوية واستقلال هذا البلد العربي - الخليجي، منذ زمن بعيد، واختار مصيره وانحاز لعروبته؟

إنها تساؤلات، تفضي إلى طرح شكوك حول التوجهات الإيرانية الرسمية وغير الرسمية ليس بشأن البحرين فحسب، بل بشأن بلدان الخليج العربية جميعها، حيث ما تزال في داخلها أصوات «رسمية» أو «شبه رسمية» تتبنى مقولات منافية لمقتضيات حسن الجوار ومتطلبات التعاون والسلام.. وإن المنطق الشوفيني الذي يحكم هذه الدعاوى المرتبطة بالتوجهات الإيرانية المستفزة للمنطقة بأسرها، والتي لا تساعد على بعث الاستقرار فيها، يتكرس عمليا سواء من خلال الاستمرار في احتلال الجزر الإماراتية، أو من خلال رفض القبول بالحل السلمي بشأنها، أو بالنسبة إلى الدعاوى المتكررة بشأن المساس باستقلال وعروبة البحرين المكرسة تاريخا وقانونا ومجتمعا، ولذلك ليس من الحكمة التساهل مع هذه الدعاوى، وليس من الحكمة النظر إليها على أنها مجرد «شطحات»، خصوصا بعد اقتران القول بالفعل، والتواطؤ السياسي - الإعلامي والتدخل في الشأن الداخلي.

إن إيران قادرة - إذا ما تحررت من سلطة الآيديولوجيا التوسعية وأنماط التفكير الخاطئة - على مراجعة التوجهات والسياسات وإعادة مراجعتها، خاصة بعد انتخاب السيد حسن روحاني، بما سيؤدي إلى نزع فتيل التوتر الذي يسود المنطقة حاليا ويهدد استقرارها، هذا الاستقرار الذي يعد الشرط الأساسي للتنمية والازدهار، خاصة أن إيران تمتلك من المقومات ما يجعل منها قوة ذات أثر مهم وكبير في مسيرة الأمن والنمو والتعاون، بما سينعكس إيجابيا على إيران نفسها قبل انعكاسه على الإقليم الخليجي، خصوصا أن دول الخليج العربية تسعى دائما إلى عدم المواجهة، بل إلى تقليل فرص هذه المواجهة.

إن دول الخليج تسعى دائما نحو السياسات التي تجلب الاستقرار والأمن للمنطقة ككل، وعليه فإننا نرى أن تعزيز منظومة التعاون والتحول بها إلى الاتحاد الخليجي، يخدم هذه الغاية، ويعزز التنمية، ويلبي متطلبات المواطن الخليجي، الذي يرنو إلى مزيد من التقدم والرقي وذلك لا يتأتى إلا بإقامة اتحاده وتماسكه.

*كاتب من البحرين