مصر في عيون الملك عبد العزيز

TT

أبدت صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية دهشتها مؤخرا من تعاظم الدور السعودي في المنطقة، بهدوء ودون جلبة.

الصحيفة خصصت افتتاحية لها نُشرت مؤخرا، تعليقا على أحداث مصر وسوريا، عن القوة المتعاظمة للسعودية في المنطقة، حيث باتت الأكثر نفوذا، إذ «في الإمكان استطلاع حضور المملكة في مصر وسوريا على حد سواء».

ورأت الصحيفة أن «التبدل في الولاءات بعد الربيع العربي» باتجاه زيادة نفوذ السعودية وشعبيتها «فاجأ الدبلوماسيين والمحللين وحتى المصريين العاديين»، لافتة إلى أن المملكة تحولت إلى أكثر دول المنطقة نفوذا من خلال سياسات وعلاقات جرى بناؤها في صمت، وآتت أكلها «خلال ساعتين فقط» في مصر.

الحق أن هذا الاندهاش في غير محله، إلا إذا رأينا معيار الدور بحسب الضجيج والصراخ، والخطوات الانفعالية السريعة، على طريقة سماسرة البورصة ومضاربيها، في الخطف والكرّ والفر. وليس على طريقة المستثمرين الذين يعملون باستراتيجية بعيدة المدى.

والأمر الآخر أن الدور والنفوذ هو نتيجة وليس فعلا بحد ذاته، الدور هو منتج القوة التي تملكها. ثم إن الدور هو من يبحث عن صاحبه وليس صاحبه من يبحث عنه، كما ذكر الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ذات مرة، أثناء زيارة للنرويج.

أثناء تلك الزيارة، وفي مؤتمر صحافي قال الأمير سلمان تعليقا على سؤال لوزير الخارجية النرويجي حول أهمية دور السعودية في أفغانستان: «اسمح لي بأن أقول وبلا غرور إن المملكة العربية السعودية لا تبحث عن دور، وإنما الدور هو من يسعى وراء المملكة». هذا الدور جاء مؤثرا في السياق المصري، على الرغم من هدوئه وبعده عن الضجيج، وحاسما، كما عبّر عنه خطاب خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز للمصريين، بعد استعادة مصر لهويتها وطبيعتها ضد النتوء الذي مثله تخبط جماعات سياسية أصولية هاوية، وعبّر عنه الملك عبد الله بالدعم المعنوي والسياسي، قبل الدعم المالي. هذا الموقف هو الذي رجح كفة الميزان للنهوض المصري من الكبوة، وهو الذي أصاب دهاقنة هذه الجماعات السرية بالصدمة، وباتوا في أمر مريج.

إنها سياسة قديمة جديدة، وميراث أجيال.

في زيارة الملك المؤسس عبد العزيز التاريخية لمصر عام 1946، التي استقبل فيها بحفاوة غير مسبوقة من قبل شعب مصر وملكها وساستها ومثقفيها، ختمها أثناء العودة بخطاب أرسله إلى شعبه السعودي، معلقا على استقبال المصريين له قائلا: «شعبي العزيز، ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيت، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جند للعرب». (من كتاب «الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز»، لخير الدين الزركلي، ص308).