«الإخوان» وضرورة التغيير

TT

الصفيح السياسي المصري بعد أحداث الجمعة الماضية يتجه لمزيد من السخونة والخطورة، وليس ثمة حاجة ماسة لتبريد هذا الصفيح مثل هذه الأيام، ولا يبدو أن النخبة الليبرالية المصرية التي تسيطر على المشهد الإعلامي المصري بفضائياتها وصحفها تتجه نحو التبريد بل أخذتها نشوة التشفي وهي تراقب الضربات الموجعة التي تلقاها الإسلاميون عبر الإجراءات التي اتخذها العسكر: عزل الرئيس مرسي وحبسه مع عدد من رموز «الإخوان» وإغلاق الفضائيات الإسلامية وتعليق الدستور وإلغاء مجلس الشورى وأخيرا توجه الجيش بالتعاون مع الأمن نحو فض المظاهرات والاعتصامات والتي تعتبر المنفذ المتبقي لإسماع صوت التيار الإسلامي، وهذا الإجراء بالذات سيزيد الصفيح السياسي المصري سخونة، ومن يتابع المشهد الإعلامي المصري يلحظ قسوة في لغة الخطاب وتآكل في الموضوعية وأحيانا إقصائية تصل إلى حد المطالبة باستبعاد «الإخوان» من المشهد السياسي نهائيا في أي ترتيبات سياسية قادمة، ومباركة ملاحقة خصومهم واعتقالاتهم وإغلاق منافذهم الإعلامية مما يتعارض مع مبادئ الحريات والليبرالية التي يفتخرون بالانتماء إليها.

وليس مصدر القلق هنا هو خشية حرمان «الإخوان» من حقهم السياسي كأكبر فصيل سياسي وأقواها تنظيما إذا ما قارنتهم بكل فصيل مصري معزولا عن تحالفاته، فهم موجودون في جغرافية السياسة المصرية سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة أو حتى في السجون والمعتقلات، وتبدو استحالة زحزحتهم عن المشهد السياسي مثل استحالة زحزحة «الإخوان» لخصومهم من ذات المشهد، الباعث على القلق أن استغلال حالة الحنق الشديد التي تراكمت بسبب إخفاق «الإخوان المسلمين» في حكم مصر وبلغت ذروتها في الحشود المليونية في 30 يونيو، بغض النظر عن أسباب هذا الإخفاق وبواعثه، إن استغلال ذلك لإقصائهم عن المشهد السياسي أو استخدام القسوة في تحجيمهم بالملاحقات والمطاردات والمعتقلات تحت أي ذريعة من شأنه أن يخلق هو الآخر شعورا بالغبن الشديد والحنق الكبير في نفوس قواعدهم الشبابية العريضة التي تنزع بسبب طبيعتها الشبابية إلى استمزاج نظريات المؤامرة وعداوة الدين واستهداف المتدينين وهذا هو بلا ريب المناخ الأمثل لتكاثر طفيليات الإرهاب وبكتيريا التشدد في وقت شهد فيه الجسد المصري تعافيا ملحوظا من هذه الأمراض من خلال ظاهرتين: الأولى، المراجعات والتراجعات الشهيرة للجماعة الإسلامية التي كانت تتبنى العنف سبيلا للتغيير، والثانية، الدمج الناجح لكل التيارات الإسلامية، السلفية وما تسمى جماعات الإسلام السياسي، في العملية السياسية بعد ثورة يونيو، وأظهرت فيه هذه التيارات خاصة السلفية والجماعة الإسلامية، تقدما ملحوظا في استيعاب معطيات اللعبة السياسية وخصوماتها وتحالفاتها وبراغماتيتها، فلا يصح أن تجهض هذه التجربة الوليدة الناجحة تحت أي ذريعة وإلا فإن البلاد ستخسر أكثر من خسارة الإسلاميين لموقعهم في الخارطة السياسية المصرية.

وفي المقابل، وكما ذكرت في مقالة سابقة، على التيارات الإسلامية خاصة بعد أن شاهدت بأم عينها تحالف القوى المدنية وأحزابها مع الجيش ورجال الأعمال والإعلام والفضائيات والصحف وتيار الشباب المستقل الطامح لمزيد من الحريات والاستقرار وفرص العمل، وعدم قبول دول المنطقة النافذة لهم، عليها بعد هذا كله أن تعيد حساباتها وترتيب أوراقها والاكتفاء في عملهم السياسي في هذه المرحلة بالتنافس على مقاعد البرلمان حتى تهدأ الأوضاع ويبرد صفيح السياسة المصري الملتهب، حتى ولو استغرق هذا «التبريد» سنوات طويلة.

[email protected]