الولادة من الخاصرة.. الرخوة

TT

سقط في الأسبوعين الأولين فقط من شهر رمضان الحالي أكثر من ألفي سوري وسورية. من هؤلاء من قضى تحت القصف وآخرون في المجازر أو في القتال.

إنها المأساة ذاتها التي يغرق فيها السوريون منذ نحو سنتين ونصف، لكن الألم السوري لم يعد حدثا ولا حتى رقما أو صورة، وهو ما يزيد من إحباط السوريين ويضاعف من شعورهم بانفكاك عام عن محنتهم وتراجع كبير في الاهتمام بها. وها قد أتى موسم الدراما الرمضانية ليشغل الرأي العام العربي ويعطي للسوريين سببا آخر للحيرة والارتباك.

أعادت الدراما الواقع السوري إلى الاهتمام، فما يجري في سوريا انعكس في معالجات درامية مختلفة، منها ما هو ممول مباشرة من قبل النظام وينقل بوضوح وجهة نظره، ومنها ما هو ممول من القطاع الخاص فيحمل بصمات إنتاج وتمثيل احترافي من دون موقف واضح مما يجري، وهو ما يصب في مصلحة النظام أيضا.

ففي مسلسل «سنعود بعد قليل» لا ثورة في سوريا وما الأحداث الحاصلة سوى خلفية لحكايات أبطال العمل، ويكرر النص توصيف ما يجري في سوريا على لسان الممثل الموالي للنظام دريد لحام بأنه «أزمة»، مع لعب كبير على وتر الحنين والشوق والحسرة على الوطن.

في بعض المناطق السورية الخاضعة للنظام منعت المقاهي من عرض مسلسل «الولادة من الخاصرة» الذي يعد الأكثر جرأة في مقاربة الواقع السوري مع التباس كبير لن يحسم سوى في الحلقات الأخيرة من المسلسل، وإن بدأ مساره يظهر مع تقدم الحلقات. صحيح أن العمل يعالج قضايا من نوع تعسف وقمع الأمن والاعتقال والتعذيب والمخابرات، وهي مفردات اختبرها السوريون على مدى الأعوام الماضية في أفظع صورها، لكن هذا المسلسل حصل على ترخيص رسمي من السلطات السورية، ومعظم العاملين فيه هم من الموالين علنا للنظام؛ لذا لا غرابة حين يقع العمل في دائرة شيطنة الثورة، وبالتالي اعتبار أن النظام وأخطاءه هو أفضل ما يمكن أن يحصل عليه السوريون.

وللحقيقة، تشي نقاشات مواقع التواصل الاجتماعي بالحيرة وبالانقسام حيال الدراما السورية هذا العام، التي يبدو أنها خرجت من موقعها الذي تربت فيه. لكن أيهما أفدح: الدراما الواقعية التي يعيشها السوريون أم تلك التي يهربون إليها في المسلسلات؟

لا شك أن الدراما بشقيها الممول من النظام والساعي إلى الاقتراب خلسة ودهاء من أمزجة المشاهدين هي ابنة خبرات في مخاطبة متلقيها، وهي ما أجاده النظام في السنوات العشر الأخيرة، وبهذا المعنى هناك دراما للنظام ولم تنتج المعارضة في مقابلها الدراما الخاصة بها.

القدرة على التأثير عبر الدراما سلاح بيد النظام فقط، وللمفارقة فقد نجح النظام في التسلل إلى شاشات على خصومة معه فيما المعارضة غائبة بفنانيها ونجومها عن مسرح المنافسة هذا.

سيكون لهذا أثر في صناعة رأي عام غير مؤمن بقضية المعارضة ساهمت في تشكيله شاشات عرضت الأعمال وثورة وضحايا تمكن المنتجون من توظيف قضيتهم في خدمة الجلاد.

مجددا ينجح النظام في التسلل إلى الرأي العام عبر خاصرة الدراما الرخوة.

diana@ asharqalawsat.com