لم يحتج الأمر 40 عاما

TT

كثيرون من الذين كانوا يتخوفون من صعود تيار الإخوان المسلمين بفكره الآيديولوجي إلى الحكم في دول عربية شهدت تغييرات، ضمن الموجة التي أطلق عليها «الربيع العربي» في 2011، كانت تقديراتهم أن المنطقة أو هذه الدول بالتحديد ستحتاج إلى ما بين 40 و50 عاما حتى تستطيع أن تشهد تغييرا، أو تتمكن تيارات أخرى مدنية من التأثير والمنافسة على الحكم.

المفاجأة كانت في هذه السرعة التي هبطت بها شعبية «الإخوان» خلال عام فقط، مما أدى إلى الإطاحة بهم برغبة شعبية عارمة واضحة في الذكرى الأولى لتولي أول عضو لهم الرئاسة في مصر، وهي كما يبدو حقيقة ليس فيها مبالغات؛ فالرأي العام الذي كان شبه منقسم في انتخابات الرئاسة بين مؤيدين وراغبين في منحهم فرصة ومعارضين، اتجهت أغلبية واضحة منه إلى ترجيح كفة معارضة حكم هذه الجماعة، بعدما رأت ممارسات عام من العبث السياسي والتمسك بسياسات التمكين على حساب الوفاق الوطني، والصراع مع مؤسسات المجتمع والدولة، وصلت إلى حد أن الرئاسة أصبحت في مواجهة مع القضاء.

وكان من إيجابيات هذه المرحلة أنها وضعت تيارات الإسلام السياسي على الطاولة وأمام الضوء كقوى سياسية عادية يستطيع الناس أن يحكموا عليها من ممارساتها السياسية، ومن دون الهالة الدينية التي كانت تُصبغ عليهم عندما كانوا تحت الأرض أو في المعارضة، واكتشف الناس بالتجربة الصعبة أن السياسة سياسة، وفن الحكم شيء مختلف عن معسول الكلام.

وخلال الفترة الانتقالية المتعثرة، كان هناك أيضا كثير من التحليلات والتكهنات، وسط الصراع السياسي الساخن الدائر حول النموذج الذي ستسير فيه مصر في ظل صعود الإسلام السياسي؛ هل هو النموذج التركي، الذي استطاع أن يرسم صيغة عصرية للإسلام السياسي تتعايش مع التراث الطويل للعلمانية هناك، أو النموذج الباكستاني؟!

ولا يوجد شيء خطأ في هذا؛ فالمجتمعات تتعلم من بعضها، وتستفيد من تجارب بعضها بعضا، لكن هذا شيء واستيراد نماذج خارجية شيء آخر، فالمسارات لا بد أن تتسق مع الحقائق والوقائع، ولكل مجتمع تركيبته وتجربته التاريخية، وكما نرى، فإننا نشاهد نموذجا مصريا ولا شيء آخر.

هذا يفسر ما حدث في 30 يونيو، من مظاهرات حاشدة أظهرت رغبة قوية لدى قطاعات واسعة من المجتمع في تغيير المسار والنظام، وضغط للتدخل لم يكن يستطيع الجيش أن يتجاهله، وإلا لخاطر بسمعته وتاريخه، وهو وضع أشبه بـ25 يناير مع فارق بين رئيسين؛ الأول آثر الرحيل تحت الضغط، والثاني تمسك بالبقاء تحت ضغط تنظيمه، فخلق وضعا معقدا ما زالت تداعياته مستمرة حتى اليوم، وتأخذ شكل صدامات دموية وصراع شديد يحتاج إلى مهارة سياسية عالية للخروج منه، خاصة أن العامل الدولي والإقليمي يتداخل ليضيف تعقيدات كبيرة إلى المشهد.

ونظرة واحدة إلى درجة الاستقطاب في المشهد الإقليمي، والاحتشاد الخارجي للتيارات المؤيدة أو المتحالفة، أو التي كانت تراهن على «الإخوان» إزاء ما يحدث في مصر، بعد 30 يونيو، توضح إلى أي مدى تشعر كل الأطراف أنها تلعب على حافة الهاوية، فليس هناك سوى السقوط للطرف الخاسر.

يبقى السؤال: وماذا عن المستقبل؟ هل يمكن أن تكون هناك عودة إلى «الإخوان»؟

القراءة السريعة للمشهد تشير إلى أن حجم الغضب الشعبي في الشارع المصري كبير، على طريقة الحكم الذي استمر عاما، والتنظيرات التي كان يخرج بها قادة هذا التيار على الناس، والطريقة التي جرى بها تقسيم البلاد، بما يجعلهم يحتاجون إلى 40 عاما أخرى لتصحيح صورتهم، أو العودة بهيئة وقيادات جديدة بفكر مختلف عصري، يستوعب أن مشروع وطرق الجيل القديم، أو ما يسمى التيار المتشدد داخلهم، لا تلائم طبيعة المجتمع أو حتى مصالح البلد نفسه.

ويصعب تصور عودة «الإخوان» أو رئيسهم مرة أخرى، كما يدعو البعض، وسط شارع مشاعره شديدة الغضب تجاههم، ومؤسسات دولة ترفضهم، وإلا لكان حجم الفوضى بما يهدد حتى بقاء الدولة نفسها.

فحتى عملية المصالحة الوطنية تبدو شديدة الصعوبة في ظل حالة الاستقطاب والتشدد الحالية، ورهان تيار الإخوان على أن الضغوط الخارجية يمكن أن تغير اتجاه الريح، والمشكلة أنهم لا يرون جيدا حجم الرياح القوية المعادية لهم في الشارع والمجتمع.