الإخوان.. عزلوا فعزلوا

TT

عندما انتخب محمد مرسي رئيسا لمصر في يونيو (حزيران) عام 2012، كانت تلك هي المرة الأولى التي يصل فيها إسلامي إلى منصب تنفيذي عبر صناديق الاقتراع في العالم العربي. وخلافا لتوقعات المحافظين في الغرب، لم تنتهج حكومته مسار حركة طالبان الأفغانية المتشدد، أو آيات الله في إيران. لكن مرسي و«الإخوان المسلمين» لم يضعوا مصر في الوقت ذاته على الطريق إلى نظام ديمقراطي شامل حقا.

ربما كانت الأمور ستختلف لو أن الإصلاحيين داخل جماعة الإخوان المسلمين وضعوا أجندة الجماعة عقب سقوط نظام حسني الاستبدادي عام 2011. فقد تبنى الإصلاحيون داخل الجماعة تفسيرات أكثر تقدمية للإسلام تؤكد أفكار التعدد والتسامح وحقوق الإنسان. وكانوا أكثر تقبلا لوجود الجماعات العلمانية كشركاء محتملين لا كمنافسين. بيد أنه خلال العقد الماضي جرى تهميش الإصلاحيين بشكل كبير في صفوف «الإخوان». وترك البعض منهم ليحسموا أمرهم، فيما طرد آخرون.

ما يثير الأسى هو أن خفوت أصوات هؤلاء الإصلاحيين سيجعل من الصعوبة بمكان عليهم حل المواجهة التي تزداد حدتها بين «الإخوان» والجيش، الذي أمر باعتقال مرسي بتهمة التخابر مع حماس.

جماعة الإخوان المسلمين ليست كتلة واحدة، يفكر أعضاؤها ويعملون وفق خطوات متدرجة، بل تحوي نطاقا واسعا من الآراء المختلفة. ففي الفترة بين الثمانينات والتسعينات برز فصيل إصلاحي - من المهنيين متوسطي الخبرة في الأغلب - ليواجه الحرس القديم المسن لـ«الإخوان» الذي يرى أن التضحية والولاء والطاعة أهم من الكفاءة.

كان الكثير من هؤلاء الإصلاحيين قادة للاتحادات الطلابية الإسلامية في السبعينات والثمانينات، وقاموا بضخ حيوية جديدة في «الإخوان». لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يبدأوا في انتقاد وجهات النظر الضيقة للحرس القديم. وأشاروا على وجه الخصوص إلى أن العقلية العدائية، والشكوك في الغرباء وازدراء حقوق المرأة والمسيحيين، تمنع الجماعة من الحصول على موطئ قدم قانوني في النظام السياسي واكتساب القبول الاجتماعي الأوسع.

وفي علامة على تزايد نفوذهم، في منتصف التسعينات، نجح الإصلاحيون بعد ضغط مكثف في حمل «الإخوان» على إصدار بيانات رسمية تؤيد التعددية الحزبية وحقوق المرأة. وبدأ الإصلاحيون التفاعل على أساس منتظم مع المهنيين والصحافيين ونشطاء المجتمع المدني خارج الشبكات المعزولة للحركة. قال لي العديد منهم في المقابلات التي أجريتها معهم في الفترة بين عامي 2004 و2011 إن مثل هذا التفاعل غير نظرتهم بشكل كبير.

كما يصف عصام سلطان، الذي مثل «الإخوان» في نقابة المحامين المصريين «كنا نظن أننا الوحيدون المؤهلون لإدارة شؤون البلاد، وأن الآراء ووجهات النظر الأخرى كانت دائما خاطئة. لكن تفاعلنا مع الآخرين غير من قناعاتنا». وبالمثل، أوضح عبد المنعم أبو الفتوح، وهو الطبيب الذي أصبح شخصية تقدمية رائدة لجماعة الإخوان المسلمين، أنه من خلال الانخراط مع المجتمع الأوسع «أدركنا أن نطاق الاتفاق والتعاون كان كبيرا في الحقيقة».

وأوضح أبو العلا ماضي، أحد قادة نقابة المهندسين في بداية التسعينات، أنه على الرغم من انشغاله مع قادة الإصلاح الآخرين بعقد مؤتمرات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، كان الحرس القديم يعزز من سيطرته على ضم الأنصار وتنشئة أعضاء جدد. وقال ماضي بأسى إنه فشل هو والقادة الإصلاحيون الآخرون في تقدير أهمية التوعية الشعبية، وإن إهمالهم للقاعدة الشعبية لجماعة الإخوان المسلمين مهد الطريق لسرقة كبيرة، والسماح للحرس القديم بسرقة ولاء جيل الشباب منه.

دفع الإحباط المتزايد من الحرس القديم، من أصحاب الأفكار الجامدة وأسلوب الإدارة الاستبدادية، في نهاية المطاف، ببعض القادة الأكثر قدرة وديناميكية لجماعة الإخوان المسلمين إلى ترك الجماعة وتشكيل أحزاب خاصة. تسارعت هجرة الإصلاحيين خلال ثورة عام 2011 ضد مبارك والانفتاح السياسي الذي أعقب ذلك. وأنشأ سلطان، وأبو الفتوح، وماضي، وغيرهم من أعضاء جماعة الإخوان السابقين، أحزابا جديدة، ورحل عن الجماعة العديد من الشباب الإسلاميين ممن يشاركونهم نفس نظرتهم التقدمية.

عندما تولى مرسي الرئاسة اعتمد هو ورفاقه في مكتب الإرشاد نهجا متعجرفا في الحكم حتى إن جناحا إصلاحيا أكثر تأثيرا ربما يكون قد أقنعهم بالتخلي عن ذلك قبل فوات الأوان.

أهدر مرسي العديد من الفرص لتقاسم السلطة مع فصائل أخرى، فاستبدل برجال مبارك السابقين في الوكالات الحكومية الرئيسة أعضاء من جماعة الإخوان من دون أي جهد جاد لمعالجة سوء الإدارة النظامية والفساد. وسمح للبلطجية الموالين للنظام بالضغط على خصومه، وفشل في ضمان أمن الأقلية المسيحية والشيعة. ولم يفعل شيئا للاعتراف أو حل النقص الشديد في تمثيل المرأة في البرلمان.

وأخيرا، عرض مرسي نفسه، عندما سارع في الاستفتاء على الدستور الجديد الذي يفتقر إلى دعم واسع على الصعيد الوطني، للاتهام بأنه كان يستخدم سلطته لتحقيق غايات غير ديمقراطية. وفشلت جماعة الإخوان في تقدير أن الفوز بفارق ضيق في السباق الرئاسي لم يمنح مرسي الولاية ليفعل ما يشاء.

بيد أنه نتيجة لتدخل الجيش تحول مرسي فجأة من زعيم أصم عاجز إلى بطل القضية الإسلامية. وتروج جماعة «الإخوان» أنها كانت ضحية مؤامرة، بدلا من تحمل مسؤولية أخطائها.

انضمت بعض الشخصيات الإصلاحية من داخل وخارج جماعة الإخوان، الذين كانوا ينتقدون سياسات مرسي علنا عندما كان في منصبه، إلى جانب «الإخوان» في رفض الحكومة المؤقتة التي فرضها الجيش. وأولئك الأكثر ميلا للاعتراف والتعلم من عثرات الإخوان من غير المرجح أن ينالوا الإعجاب الشعبي ما دام الجيش يبدو عازما على إنهاء «الإخوان».

ولو أن الإصلاحيين في جماعة الإخوان المسلمين كانوا أصحاب اليد الطولى عام 2011، لربما مرت مصر بمنحى مختلف تماما. وربما كانت «الإخوان» لتدفع بمرشحها للرئاسة، وإن حدث لكانت قد دفعت بشخص أكثر ميلا إلى التوصل إلى حل وسط وبناء توافق في الآراء من مرسي، ولعمل مثل هذا الرئيس على الأرجح على تعزيز العلاقات مع المعارضة العلمانية، بدلا من التحركات المثيرة للجدل التي قوضت الثقة وحسن النية.

تلك الأصوات الإصلاحية هي بالكاد مسموعة الآن، أمام التدخل العسكري الذي أقصى مرسي من السلطة التي نالها في انتخابات حرة ونزيهة. وأي قدر من التظاهر لا يتوقع أن يعيده مرة أخرى إلى السلطة، نظرا إلى أن الجيش والأحزاب العلمانية والملايين من المواطنين المصريين العاديين يعارضونه بشدة. وكان كبار قادة «الإخوان» دائما ما يجيدون تجنيد الأعضاء وحشدهم في الانتخابات وفي الشوارع. لكنهم كانوا أقل براعة في التفاوض والتسوية. وربما هذه المهارات تحديدا هي كل ما كان يلزم «الإخوان» للعب دور بناء في تشكيل مستقبل مصر.

* خدمة «نيويورك تايمز»