التوافق والتعايش والانفتاح... الكلمات المفاتيح لحكم محمد السادس

TT

يشير التشخيص السياسي والدستوري لـ14 سنة من تولي الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، وذلك مقارنة بحكم والده الملك الحسن الثاني، إلى أنه قام بخطوات لإضفاء نوع من القيمة المضافة على حكمه تمثلت في المقومات التالية:

- تحقيق الاستقرار السياسي والمؤسساتي على مستوى الحياة البرلمانية منذ توليه العرش في 30 يوليو (تموز) 1999 إلى اليوم، وهذا عكس عهد والده، حيث تميزت الحياة البرلمانية بالتقطع واللاستمرارية.

- العمل على تكريس الانفتاح والتعايش مع القوى اليسارية من خلال فتح المجال أمام نخبها في تدبير مؤسسات الدولة المنتخبة أو المعينة، والانفتاح التدريجي على حركات الإسلام السياسي كشريك في الحياة السياسية.

- النجاح في تحويل مركز الصراع مع المعارضة السياسية، من معارضة مناوئة للنظام السياسي بشكل مباشر من خلال فلسفة وبنية سلطته، إلى معارضة تقبل بالصراع من داخل قواعد لعب النظام السياسي الذي تقوده المؤسسة الملكية، عبر آلية التوافق والشراكة السياسيين.

- خلق نموذج جديد على مستوى التدبير العام يتجاوز المقاربة العمودية المغلقة التي تجعل من مركز الدولة الجهة الوحيدة التي تفصل في كل شيء، إلى الانفتاح على مقاربات أفقية تفاعلية تشاركية مع المواطنين.

وعموما يجعلنا التشخيص السياسي والدستوري نخلص إلى أن الكلمات المفاتيح في حكم الملك محمد السادس خلال 14 سنة، تكمن فيما يلي:

التوافق، والتعايش، والانفتاح، وديمقراطية القرب، وملكية اجتماعية، والتشاركية، الدينامية، والإدماج الاقتصادي سبيل التنمية البشرية.

هذه الكلمات المفاتيح شكلت ولا تزال صمام أمان في ضمان وتجديد مشروعية النظام السياسي الملكي في المغرب بناء على أسس ونظام قيم جديدين يتجاوزان الارتكاز على قوة الخطاب، أي النص في تأطير الفعل السياسي (عهد الملك الحسن الثاني)، إلى الفعل الميداني التنموي الذي تجسد من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات القوية، التي شكلت بشكل حقيقي انعطافات حاسمة ميزت السنوات الـ14 الماضية من حكم الملك محمد السادس من سنة 1999 إلى سنة 2013، والتي تمثلت أساسا في القرارات النوعية التالية:

1. الإعلان في أكتوبر (تشرين الأول) 1999 عن المفهوم الجديد للسلطة، كمفهوم حاول أن يعيد بناء العلاقة بين المواطنين والدولة، وذلك بناء على روابط جديدة تمثلت في القرب والفعالية والنجاعة والإنصاف والمساواة والالتقائية في خدمة المواطنين والمواطنات.

2ـ الإعلان في سنة 2003 عن إحداث هيئة المصالحة والإنصاف التي شكلت تجربة فريدة من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كإجراء لمواجهة تداعيات ماض سياسي عنيف تميز بمجموعة من التجاوزات التي تصنف في باب الانتهاكات الجسيمة في ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية ودولة القانون من سنة 1956 حتى سنة 1999، وبالتالي العمل على إحداث قطيعة مع الماضي الأليم وفتح صفحة جديدة في اتجاه ترسيخ دولة المؤسسات والحريات والحقوق بناء على قواعد الديمقراطية والشفافية وتحصين البلاد من تكرار مثل تلك الأعمال والتصرفات التي تصنف بكونها جسيمة ومخلة بآدمية الإنسان.

3ـ الإعلان في سنة 2005 عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كمبادرة للنهوض بأوضاع الفئات الفقيرة المعوزة ومختلف الفئات التي تعيش في حالة هشاشة لتحقيق نوع من التوازن والدينامية الترابية، بإنجاز أزيد من 29 ألف مشروع لفائدة أكثر من سبعة ملايين مستفيد مباشر وغير مباشر باستثمار إجمالي ناهز 18 مليار درهم (الدولار يساوي8.40 درهم).

4ـ الإعلان في سنة 2008 عن الجهوية المتقدمة، كحدث بارز على الموجة الثانية من الإصلاحات ذات الطبيعة الدستورية التي ستدشن في عهد الملك محمد السادس. وجسد هذا الإعلان المقاربة الجديدة للدولة المغربية في مسايرة متطلبات التدبير العام المعاصر والتي تتمثل في المقاربة المجالية التي تنظر إلى عامل التنمية من أسفل إلى أعلى، من خلال تخلي المركز عن مجموعة من السلطات التي كان يمارسها لفائدة الجهات (المناطق) التي ستصبح تتبوأ مكانة الصدارة على المستوى الترابي في إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية للتهيئة في العهد الجديد للملكية التي يقودها محمد السادس.

5ـ الإعلان سنة 2011 عن أول دستور في عهد الملك محمد السادس والذي وصف بالدستور الذي يؤسس للعهد الثاني في تاريخ الملكية بالمغرب بعد الاستقلال سنة 1956. دستور تميز بالتخلي الصريح للملك عن مجموعة من الصلاحيات التي كان يمارسها في الحالات العادية، مثل صلاحية التشريع التي أصبحت مع دستور 2011 من اختصاص البرلمان وحده، كما أن صلاحية الملك في تعيين رئيس الحكومة أصبحت مقيدة باحترام التعيين من الحزب المتصدر للانتخابات التشريعية.

6ـ إجراء الانتخابات التشريعية الثالثة في عهد الملك محمد السادس في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 (الانتخابات التشريعية الأولى في عهده جرت في 27 سبتمبر (أيلول) 2002، والثانية في 7 سبتمبر 2007)، أسفرت نتائجها عن تعيين رئيس الحكومة من حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية.

7ـ تميزت سنة 2012 و2013 بالسير على نفس نهج تدعيم التنافسية القطرية للدولة المغربية، من خلال اعتماد دبلوماسية اقتصادية براغماتية من طرف الملك محمد السادس، ودعم البنية التحتية الأساسية على مستوى شبكة المطارات والموانئ والسكك الحديدية، وعلى مستوى شبكات الطرق السيارة، حيث وصلت الآن إلى ما يزيد على 1500 كلم مقابل نحو 100 كلم ما قبل سنة 1999.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش