قصص لم ترو!

TT

في عالم الشركات الأميركية العملاقة يبحثون دوما وأبدا عن وسائل تحفيز موظفيهم ورفع درجة الحماس لديهم ببث روح الجدية وإعادة شحن النفوس. وهم عادة ما يعتمدون على نقل قصص النجاح بشتى أشكالها مهما كانت بسيطة حتى تكون نظرة الموظف دوما منبهة للتفاصيل وإدراك أن التميز والنجاح يأتيان من الاهتمام بصغائر الأمور قبل الكبيرة منها. وهذه الشركات عادة ما تسعى لأن تستقطب أهم المتحدثين والخطباء والمحاضرين من مدربين ناجحين من عوالم الرياضة نجحوا في تحقيق البطولات وإدارة أعداد كبيرة من اللاعبين «المغرورين» وجمعهم في «فريق واحد» تحت «هدف واحد»، أو الجراحين المشهورين الذين يديرون فرقا طبية تعمل تحت ضغوطات صعبة ويواجهون قرارات حياة أو موت لحظية، وخليطا من ثقافات وجنسيات وخلفيات متشعبة، ومع ذلك يقودهم باقتدار «جراح» واحد بنجاح هائل. أو قائد فرقة موسيقية كلاسيكية، مايسترو يدير أكثر من 35 عازفا على آلات مختلفة، ما بين وتريات وما بين نحاسيات، وغيرها، بكل مهارة وقدرة استثنائية، أو طيار نجح في قيادة طائرته بطاقمها وركابها في حالة طوارئ قصوى، وتمكن بفضل الله وهدوء أعصابه وتوجيهاته وخبرته من الهبوط وتفادي الكارثة وإنقاذ الطائرة بمن عليها.

أثبتت هذه التجارب التي تروى على ألسنة أبطالها للشركات والموظفين والطلبة أنها بمثابة شعلة من الأمل وإعادة إيقاظ للهمم وشحنة طاقة إيجابية كبرى يكون الإنسان بأمس الحاجة إليها.

وعربيا مع شديد الأسف هناك اختفاء تام لهذه الأمثلة، فأجد نفسي في حيرة تامة لماذا هناك إصرار على أن يكون رجل الدين هو الواجهة الوحيدة التي تروي وتحاضر للناس وكأن بقية النماذج ليس لديها ما تقدمه؟ أجد نفسي، وغيري بالتأكيد، في شغف لأن أستمع بتمعن لقصة المدرب السعودي خليل الزياني الذي قاد منتخب بلاده للفوز الأول بكأس آسيا وسط ظروف صعبة جدا وتحدي مستحيل أمام منتخبات متمرسة وقوية مثل كوريا الجنوبية والصين، كيف قبل التحدي وأعد الفريق وتعامل مع الظروف والمشككين والمستهترين به؟! أو حسن شحاتة المدرب المصري الذي حقق لمنتخب بلاده إنجازين متتاليين بالفوز ببطولة كأس أفريقيا وسط ظروف أشبه بالمستحيلة وأدار تشكيلة من النجوم الصعبة والمتمردة وأمام منتخبات أقوى وأكثر جاهزية؟ وهناك التونسي الفذ عبد المجيد الشتالي الذي قاد وهو شاب منتخب بلاده المشارك في كأس العالم بالأرجنتين وقدم معهم عروضا مبهرة جعلت من كل واحد فيهم نجم النجوم في العالم العربي فورا. وهناك عبد الله الربيعة الجراح السعودي المميز الذي أبهر العالم بعمليات فصل التوائم التي بات فيها مرجعية وقصة نجاح تروى في كيفية إدارة «الفريق» للمهام المعقدة جدا. وهناك إبراهيم دبدوب المصرفي العريق الذي كان له الفضل الهائل بعد الله في إدارة الأزمة المالية الكويتية بعد الغزو العراقي فيها وظل جنديا مجهولا لا يدرك أحد حقيقة الإنجاز الذي قام به إلا من كان من العارفين بالأمور، ولكنه أدار أزمة مالية غير مسبوقة وكان من الذين يساعدون على إدارة دولة الكويت وهي محتلة.

هذه مجرد نماذج من قصص النجاح التي تستحق أن تروى بوضوح ويتم معرفة تفاصيلها والاطلاع على مكوناتها؛ لأنها تحمل جوانب عملية وحقيقية بعيدة عن التنظير والتمني، مع عدم التقليل أبدا من محتوياتها الأخلاقية والدينية.

الشباب وعالم الأعمال بحاجة ماسة لأن يدركوا قصص النجاح التي حولهم حتى لا يلجأوا لحلول العنف والتطرف ويفقدوا الأمل في مجتمعاتهم تماما.