حزب الله أعطاهم ما يريدون

TT

رد الفعل الأولي لحزب الله اللبناني على قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج جناحه العسكري على لائحة الإرهاب كان تحميله واشنطن وتل أبيب المسؤولية المباشرة «قرار كتب بيد أميركية وحبر إسرائيلي». موقف بديهي وتقليدي متوقع ربطته قيادات الحزب باستراتيجيات المقاومة والتصدي لإسرائيل وإفشال مخططاتها في لبنان. الغرب الذي استصدر قرارا من هذا النوع يعرف مثل غيره أن حزب الله جسم واحد لا يمكن التفريق بين جناحيه العسكري والسياسي، وأن هذه الخدعة لن تنطلي على الحزب، لكن الحزب يعرف هو الآخر أنه أعطاهم أكثر من فرصة تحويله إلى منظمة إرهابية. حزب الله يدفع أولا جزءا من ثمن مواقفه وتحركاته، وطبعا المقصود هنا ليس الأسباب المعلنة أوروبيا حول دوافع الإقدام على خطوة بهذا الاتجاه، بل بسبب سياسته السورية ومسارعته لـ« تلبية النداء» والاستجابة إلى طلب النجدة الذي تقدم به الرئيس السوري بمباركة إيرانية.

الحزب تحول بعد عام 2005 إلى أهم مناصر وداعم للنظام السوري في لبنان والمنطقة بعد إيران طبعا. اندلاع الثورة في سوريا قبل عامين زاد من قيمته الاستراتيجية بالنسبة لدمشق التي شاركت في تقويته وتوسيع رقعة انتشاره وتحركه في لبنان والخارج لعقود، وها هي تطالب اليوم برد الجميل حتى ولو كان ذلك على حساب لبنان وبنيته وشعارات الشراكة الاجتماعية والسياسية والدستورية. الحزب هو الذي أعطى واشنطن الفرصة الذهبية التي كانت تبحث عنها في تفعيل قرار ظل حبرا على ورق لأكثر من عقد كامل: إعلان الحرب على محور «دمشق - طهران - الضاحية» مقحمة بروكسل في هذه المواجهة تحت شعار «الحرب على الإرهاب لم تنته بعد».

مغامرة حزب الله قد تطيل عمر الأزمة السورية، وقد تمكن النظام من تسجيل انتصارات ميدانية، لكن فكرة حماية النظام وإبقائه في السلطة بعد هذه الساعة باتت بين المستحيلات. الوجود وسط حلقة النار في المدن السورية يختلف عن حق المقاومة المشروع في رد الاعتداء الذي دعمناه ووقفنا إلى جانبه. الحزب يعرف أنه سيتحمل مسؤولية الخطوات التي ستعقب مرحلة صدور القرار أثناء ترجمته العملية، ليس في مسار العلاقات الأوروبية اللبنانية وحسب، بل في مسار الأزمة السورية والتنسيق الأوروبي الأميركي المحتمل لمطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالتحرك «للتعامل مع جماعات إرهابية تحارب جنبا إلى جنب مع نظام متهم بقتل مواطنيه وتدمير بلاده».

حزب الله عربيا وإسلاميا ورط نفسه ليس فقط في مشروع حماية الرئيس الأسد والوقوف إلى جانبه في قتل السوريين، بل من خلال مشاركته في حرب يعتبرها هو حلقة في التصدي للمؤامرة الصهيونية في سوريا، فخرج بمعادلة إعطاء الحق لنفسه في الربط بين جبهات جنوب لبنان وجبهات القصير وحمص ومدن الساحل السوري. فما الذي سيحدث عندما تطالب العواصم العربية والإسلامية التي كانت تقف إلى جانبه قبل سنوات في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بتحديد موقف يريده المجتمع الدولي بضغط أميركي أوروبي حيال «دخول مجموعات إرهابية إلى سوريا للمشاركة في حماية النظام»؟

المؤشرات كلها تقول إن الحزب لن يحمل النظام السوري مسؤولية توريطه في مستنقع الدماء هذا، فالقرار استراتيجي وصدر بمباركة إيران ودعمها، لكن الحزب مدعو لقول شيء ما عندما تبدأ العواصم الغربية في اللعب بورقة الإرهاب وتحريك مواد البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة ضد سوريا المتحالفة مع «منظمة إرهابية»، وارتدادات هذه الخطوة على الساحتين اللبنانية والإقليمية.

القرار الأوروبي يعزز فرص المشروع الأميركي في اللعب بورقة الحرب على الإرهاب ببعدها السوري هذه المرة، ولن نستغرب إطلاقا إذا ما قبلت تل أبيب هذه الخدمة التي يقدمها لها حزب الله وحركت قواتها باسم المجتمع الدولي لتنفيذ قراره بالحرب «على الإرهاب والإرهابيين في سوريا».

في تركيا أيضا لا بد أن يكون هناك نقاش ببعد جديد هذه المرة، ليس حول مسألة تورط حزب الله في المعارك الدائرة في سوريا وهو الموقف الذي انتقدته أنقرة أكثر من مرة، بل حول مسألة كيف سترد حكومة أردوغان على تهديدات جاءت في أعقاب القرار الأوروبي للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان والتي تشارك تركيا بوحدات فيها؟

طبعا نحن لم نناقش هنا استراتيجيات الحزب وتحركاته المحتملة للتعامل مع القرار الأوروبي وانعكاساته وفرص القفز إلى الأمام للرد على النقلة الأوروبية بحملة تعادلها. لكن الاحتمال الأقرب كما يبدو هو التلويح بسيناريو التحضير للدويلة العلوية في مدن الساحل السوري إذا ما تعقدت الأمور أكثر وصعب الالتزام بشعار حماية سوريا الموحدة، خصوصا أن النظام أعطى الضوء الأخضر لحكم كردي ذاتي يكون مقدمة لإعلان الكيان المستقل في شمال شرقي سوريا عند الضرورة.