حتى القردة تحب الإنصاف!

TT

اكتشف أستاذ جامعي في تجربة عملية مصورة أنه حتى القردة لا تقبل بغير الإنصاف في التعامل معها! إذ لاحظ أنه كلما طلب الباحثون من أحد القردة تزويدهم بحجر صغير من داخل قفصه في مقابل منحه مكافأة رمزية كقطعة من الخيار، كان يلتهمها بسرعة واستمتاع. غير أنه حينما رأى أن القرد الآخر في قفص مجاور له كان يكافأ بحبة من العنب اللذيذ أثار ذلك حفيظته وصار كلما قدم إليه الخيار يقذفه بامتعاض شديد في اتجاه الباحثين لشعوره فيما يبدو بعدم الإنصاف!

وقد حققت هذه التجربة انتشارا واسعا وألهمت باحثين آخرين وإعلاميين تطبيق أفكار مشابهة أثبتت أن القردة يتولد لديها الإحساس نفسه الذي ينتاب الإنسان حينما يشعر أن الآخرين لا ينصفونه!

وفي الكويت لم يعجب طالبة عدم إنصاف جامعة الكويت التي تتبع تقليدا قديما وهو وضع نسب قبول تميز بين الطلبة والطالبات، فرفعت الفتاة دعوى قضائية ضد الجامعة ثم صدر لها أول حكم من نوعه أكد منطوقه «إخلال تصرف الجامعة بميزان العدالة» واعتبر تصرفها «ممايزة غير مبررة» بين الجنسين. ويتوقع أن يفتح هذا الحكم باب الدعاوى القضائية ضد كل من حرم من الدراسة في هذه المؤسسة العريقة التي تعد من أوائل جامعات الخليج. وذلك كله بسبب التصرف الحضاري الذي آثرته طالبة الطب على بدائل إثارة البلبلة أو التظاهر أو التشهير.

في أحيان كثيرة لا يفصلنا عن نيل حقنا من الإنصاف سوى خطوة المحاولة. وهو ما فعله الزنوج في أميركا فنالوا حقوقهم حتى حكم بلادهم أحد بني جلدتهم، أوباما، وذلك بعد صراع مرير من التمييز العنصري ضدهم إلى حد تحديد باب في الدوائر العامة يدخل منه البيض وآخر للسود، وقد رأيته بنفسي في متحف أميركي!

مشكلة تهاون بعض المسؤولين في أهمية تحقيق الإنصاف في التعامل مع مرؤوسيهم أو شركائهم أو مع شعوبهم تكمن في أنها تدفع الناس إلى أن يضمروا الضغينة تجاههم. فتكبر مشاعرهم مثل كرة الثلج ثم تدمر كل ما بني من علاقات جيدة.

ولا يقتصر الإنصاف على الحقوق المادية فحسب، بل من صور الإنصاف عدالة توزيع النظرات على مرؤوسيك في اجتماع، وعدالة المديح والثناء، وعدالة منح الفرص الواعدة لهم، وعدالة غض الطرف عن أخطاء الآخرين غير المقصودة. كما أن من صور الإنصاف أن يعامل الحاكم شعبه بميزان العدالة ولا يقرب إليه فئة لا تستحق دون أخرى أو يطبق عليهم مبدأ «فرق تسد»، وهذا الأمر ينطبق على كل مؤسسة صغيرة كانت أم كبيرة.

وبعيدا عن المثاليات نقول إن تطبيق مبدأ العدالة أو الإنصاف ليس مسألة سهلة ولكن لا يعني هذا أن يتقاعس المرء عن المحاولة الصادقة لأنه سيكون ملوما أو بالأحرى مذنبا إن لم يفعل، ولذا قيل في الحديث الصحيح: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة..».

[email protected]