تفكير خارج الصندوق

TT

سيدة في السبعين من عمرها من سكان رابعة العدوية، بعد أن أوجزت في شرح الحياة البائسة التي يحيونها في ظل حصار جماعة الإخوان لهم، صاحت بصوت ينضح بالتعاسة والألم: «لمن نلجأ؟».

هذا هو السؤال: «لمن نلجأ؟».. نلجأ للدولة بالطبع (عندك حد تاني؟)، غير أن ما أعرفه عن الدولة هو أنها تتحرك لإنقاذ الناس قبل أن يصرخوا بهذا السؤال، هذا هو ما يميز رجل الدولة عن الرجال في أي ميدان آخر، التحرك في اللحظة التي تسبق كل اللحظات. غير أنني أفكر اليوم في أنني قد حبست نفسي في صندوق تفكير تقليدي على أن أخرج منه بسرعة للعثور على أفكار جديدة تجعلنا أكثر قدرة على التعامل مع مشكلة حصار رابعة، بشكل تتحقق فيه مصالح المحاصرين من السكان وهؤلاء الذين يحاصرونهم من جماعة الإخوان. فهم - الفريقان - في نهاية الأمر مصريون مثلنا تماما ولهم نفس حقوقنا.

لماذا لا نقوم بإنقاذ سكان رابعة من هذا الحصار فورا، وذلك بنقلهم للعيش في أماكن أخرى هادئة بعيدا عن الصراع؟ ألم نفعل ذلك من قبل في عام 1967 عندما قمنا بتهجير سكان مدن القناة؟! وحتى لو لم تكن هناك أماكن صالحة لإقامتهم في وجه بحري، فإنه يمكن نصب خيام لهم خارج مدن الصعيد أو في الصحراء، مما يتيح الفرصة للدولة للتفكير على مهل في التعامل مع المشكلة والوصول إلى حل لا تسيل فيه الدماء. وفي كل الأحوال علينا الدفاع عن سمعة مصر والمصريين. عندك مثلا جثث الأشخاص (11 جثة حتى الآن) الذين عذبتهم الجماعة حتى الموت، ألا يثبت ذلك أن جلادي الجماعة في حاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب بحيث يتمكنون من تعذيب الناس بكفاءة بغير قتلهم؟ لا بد من الاستعانة بكل هؤلاء الذين خرجوا على المعاش من قسم الزبانية الشهير في الأجهزة القديمة، الذين كانوا قادرين على قطع ذراع شخص وتركيب ساقه مكانها بغير تخدير وبغير أن يموت.

إن قتل الناس أثناء التعذيب يضر إضرارا بليغا بقضية الجماعة، ويسيء إلى سمعتها في الغرب، وهو ما يجب أن نتفاداه نحن. لا إقصاء لأحد، لأنهم في نهاية الأمر مصريون، والإساءة إلى سمعتهم فيها إساءة إلى سمعة مصر. يجب ألا ننسى أن الاحتجاجات والاعتصامات السلمية شرعية تماما وقانونية، أما حكاية إفساد المكان وتسويد عيشة السكان وقطع الطرق وخلع بلاط الشوارع والأرصفة وتحويلها إلى متاريس، فهي جميعا ما نسميه «الآثار الجانبية»، فكل الأدوية الشافية لها آثارها الجانبية، وعلينا احترام حقائق العلم.

لقد أقنعتني تجربتي الشخصية بأن كل شيء بأوان. ربما تكون لديك - كرجل دولة - كل المعطيات التي تحتم عليك أن تتحرك الآن لإنقاذ أهل رابعة وإنقاذ المصريين، ولكن يغيب عنك شيء واحد هو الأوان، عندها تفقد كل قدراتك أثناء الفعل أو الحركة، وربما تتسبب - يا عيني - في إسالة الدماء. ولترددك وانعدام ثقتك بنفسك وضعفك سيكون من المشكوك فيه أن تنجح في مهمتك. على مهلك، انتظر حتى تدخل الشمس برج الجوزاء، أو حتى تطير بقية أبراج عقول الناس.