عزل مرسي ينقذ «الإخوان» من إفلاس تاريخي

TT

هل كان من الضروري أن يسقط الرئيس السابق محمد مرسي و«الإخوان المسلمين» بالعزل أمام الدبابات ليعودوا إلى الميدان بما قد يدفع بمصر إلى الغرق في الدم على «الطريقة الجزائرية»، بدلا من السقوط في صناديق الانتخابات على «الطريقة الأردنية» عام 1986، بما سيدفع بحركتهم مرة أخيرة إلى الفشل والإفلاس؟

تبدو هذه الأسئلة ضرورية ومشروعة الآن بعد مرور شهر على قرار عزل مرسي، وفي وقت ترتفع شعارات «الإخوان» على قاعدة الزعم أنهم ضحايا يعتصمون باسم الشرعية والديمقراطية، فيجدون ربما من يصدقهم، رغم أن تجربتهم أثبتت أنهم لا يقيمون وزنا للديمقراطية والشرعية التي يسعون إليها تقوم على التسلط والإقصاء.

ولكن هل كان في وسع الجيش المصري الذي حمى الثورة ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك أن يطبق السلوك عينه، فيحاذر التدخل ويترك الشارع متأججا إلى أن يرحل مرسي تلقائيا تحت ضغط المعارضة كما فعل مبارك، وهو ما لا يمكن أن يحصل قياسا بحكم مرسي الذي تكشف في أقل من عام عن اتجاهات لتطبيق ديكتاتورية دينية أقسى من الديكتاتورية السياسية السابقة؟

عمليا كان في وسع الجيش أن يدفع بمرسي وتجربة «الإخوان» في السلطة إلى مزيد من الاهتراء، بأن يتغاضى مثلا ولو لفترة من الوقت عن سياسة الاستئثار العمياء والعناد الأحمق التي يتبعها مرسي، وأن يترك حركة تمرد تنظم عملية نزولها التاريخي وغير المسبوق يوم 30 يوليو إلى الشارع، ليرد عليها «الإخوان» بما هو أسوأ من ممارسات مبارك وواقعة الجمل، وعندها يصبح تدخله لمنع انزلاق مصر إلى حرب أهلية ضروريا ومطلبا وطنيا، لكن الخشية من صدام دموي كبير بين المظاهرة التي دعا إليها «الإخوان» لمواجهة مظاهرات حركة تمرد التي أنزلت 33 مليونا، هو ما دفع الجيش إلى عزل مرسي والإعلان عن خريطة طريق لإعادة ترتيب الوضع.

طبعا ليس من الواضح حتى الآن إلى أين يمكن أن تتجه مصر؟ هل تتجه إلى صدام سيصور «الإخوان» كضحايا معتدى عليهم بينما العكس هو الصحيح، أم تتجه إلى تراجع «الإخوان» عن العمل بنصيحة السفيرة الأميركية آن باترسون لمرسي بأن «واصلوا الحكم من رابعة العدوية!» وهو ما سيوسع حلقة الصوملة التي تضرب في أرجاء المنطقة ربما على نية قيام الشرق الأوسط الجديد الممزق؟

ومهما كانت الاتجاهات من الضروري الانتباه إلى أن عملية عزل مرسي لن تكون في المحصلات السياسية مؤذية له أو لـ«الإخوان»، بل قد تكون وفرت لهم فرصة عدم مواجهة إفلاس حتمي كانوا يتجهون إليه في السلطة بما يدمر كل تاريخهم، وفي هذا السياق لم يكن مستغربا أن تنقل «نيويورك تايمز» عن أعضاء في «الإخوان» يعتصمون في رابعة العدوية، قولهم إن الأزمة تجري بطريقة تكاد تكون إنقاذا للجماعة وقد حررتها من تحديات تحمل مسؤولية السلطة والحكم ومن التوافقات التي تقيمها مع القوى الأخرى في المجتمع المصري، فليس سرا أن «الإخوان» في الحكم كانت يسيرون إلى إفلاس محقق، وكانت شعبيتهم آخذة في التآكل، لكن عودتهم إلى المعارضة والاختباء وراء قناع الضحية تنسجم مع صورتهم التاريخية التي استدرت العطف الشعبوي على أسس دينية!

عمليا بدأ سقوط «الإخوان المسلمين» في مصر سياسيا وشعبيا قبل أن ينتهي سقوط حسني مبارك، أولا عندما تخلفوا عن الثورة التي صادروها ولم يلتحقوا بها إلا بعد أيام، وثانيا، عندما خاضوا الانتخابات الرئاسية خلافا لوعودهم بأنهم سيكتفون بخوض الانتخابات البرلمانية والمشاركة بالحكومة، وثالثا، عندما توهم مرسي أنه قادر على حل المشكلات التي تواجه مصر في مائة يوم، لكن هذه المشكلات تضاعفت في وقت انصرف مرسي إلى تطبيق سياسة سلطوية استئثارية وصلت إلى حد فرض الهيمنة على القضاء وكل هذا في سياق واضح لأخونة الدولة المصرية رغم أن الثقافة السياسية والاجتماعية للشعب المصري لا تقبل إطلاقا القوالب التي أراد «الإخوان» وضعها فيه.

عزل مرسي يشكل في النهاية إنقاذا لمرسي و«الإخوان»، ربما كان من الأفضل لو أنهم واجهوا «التجربة الأردنية»، ففي عام 1989 جرت انتخابات مجلس النواب الأردني وحصل «الإخوان» على 38 نائبا من أصل 120 وعندما كلف مضر بدر تشكيل الحكومة اشترطوا عليه الحصول على تسع وزارات خدماتية فوافق الملك حسين، وبدأ هؤلاء السعي إلى أخونة وزاراتهم فكان أول طلب لوزير التربية مثلا مضاعفة الموازنة لاستحداث أبنية لفصل الطالبات عن الطلاب، وبعد أربع سنوات ذهبوا إلى الانتخابات فلم يحصلوا سوى على 9 مقاعد ليكون سقوطهم أمام الشعب أهم بكثير من سقوطهم أمام النظام.. ليت الأمر جرى في مصر على هذا النحو!