البحث في أسباب الأخطاء الطبية الجراحية

TT

ضمان سلامة المرضى والعمل على منع وقوع الأخطاء الطبية يتحقق بالتزام العاملين في الوسط الطبي جميعهم بتطبيق سلوكيات سلامة المريض وتطبيق سلوكيات جودة تقديم الرعاية الطبية. والحقيقة «البسيطة» أن «أبسط» تفكير منطقي يقول لنا: إذا لم تستطع أن تخفف من معاناة مريضك، فلا أقل من ألا تتسبب له بمزيد من المعاناة. واليوم غدت الأخطاء الطبية هاجس الأوساط الطبية العالمية، ويبقى السؤال مطروحا في كل لحظة: لماذا تقع الأخطاء الطبية؟ وكيف لنا أن نمنع حصولها؟ أو على أقل تقدير كيف نخفف من معدلات وقوعها وعمق أضرارها وتقليل آلامها على المرضى وذويهم؟ والإجابة، لا مناص، ستأتي وتستمد من البحث في مخرجات «أعمال» العاملين في الأوساط الطبية وتحليل أسباب الأخطاء فيها.

وضمن عدد 25 يوليو (تموز) الماضي للمجلة الطبية البريطانية للجودة والسلامة BMJ Quality & Safety نشر الباحثون من «إمبريال كوليدج» بلندن دراستهم حول الأخطاء الطبية التي تقع في غرف العمليات. وتبين لهم أن ربع الأخطاء الطبية في غرف العمليات يقع عن طريق مشكلات التكنولوجيا ومشكلات المعدات المستخدمة داخل تجهيزات غرف العمليات technology/equipment problems، وأن إجراء «القائمة التفقدية للسلامة قبل الجراحة» Surgical Safety Checklist يقلل من حصول الأخطاء تلك.

وقال الباحثون في مقدمة الدراسة: «التكنولوجيا الجراحية قدمت تطويرات وتحسينات مهمة في نتائج العمليات الجراحية، ومع ذلك يمثل فشل الأجهزة والتقنيات الحديثة أحد الأسباب الرئيسة في حصول أخطاء طبية وأحداث عكسية سلبية على المرضى، والهدف من دراستنا تحديد نسبة ونوعية الآثار السلبية على المرضى ذات الصلة بهذه التجهيزات والتقنيات equipment/technology - related errors من أجل تحسين جودة رعاية المرضى والعناية بهم».

الباحثون قاموا بدراسة مراجعة لتحليل نتائج 28 دراسة طبية منشورة سابقا عن الأخطاء الطبية في غرف العمليات وأسباب حصولها ووسائل الوقاية منها والقضايا المرفوعة حولها من قبل المرضى. ووجدوا أن القضايا الناجمة عن مشكلات التكنولوجيا والمعدات شكلت نحو 25% من الأخطاء الطبية في غرف العمليات.

وبمراجعتهم نتائج ثماني دراسات استعرضت تحديدا مختلف أنواع «مشكلات التكنولوجيا/ الأجهزة»، تبين أن من بين جميع أنواعها كان ترتيب وضعية وإعدادات الأجهزة والآلاتdevice/machine configuration and settings داخل غرف العمليات هو السبب في 43% من تلك الأخطاء، وكانت مشكلات «توفر» الأجهزة والآلات المناسبة هو السبب في 37% من الأخطاء تلك، وكان «عدم عمل» الأجهزة والآلات بالشكل الصحيح واللازم لإتمام العملية الجراحية بكفاءة direct malfunctioning هو السبب أيضا في نحو 34% من الحالات.

وتفحصت أربع دراسات درجة شدة الأخطاء الطبية في غرف العمليات على المرضى، وتم تصنيفها إلى ضخمة major وإلى ما هو أدنى من ذلك. وتبين أن «أعطال وعدم عمل» الأجهزة والمعدات بكفاءة Equipment - related failures هو السبب في 20% من الأخطاء «الضخمة».

كما لاحظ الباحثون أن لإجراء قوائم تفقدية للسلامة قبل الجراحة أثرا بالغا في خفض نسبة الأخطاء الطبية في غرف العمليات. ليس هذا فحسب؛ بل إن المستشفيات التي اعتمدت تطبيق إجراء قوائم تفقدية خاصة بالأجهزة والمعدات الطبية في غرف العمليات قبل إجراء كل جراحة، وجدت له تأثيرا أكبر وقد خفض من نسبة وقوع الأخطاء الطبية في غرف العمليات بنسبة 60%، وهو ما تطابقت فيه نتائج ثلاث دراسات طبية باستخدام القوائم التفقدية الخاصة تلك. ولذا اقترح الباحثون تطوير «القائمة التفقدية للسلامة قبل الجراحة» التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية WHO Surgical Safety Checklist لتضمن عناصر تعنى بتفقد الأجهزة والمعدات المستخدمة أثناء إجراء العمليات الجراحية.

هذا جانب، وهناك جوانب أخرى تستحق البحث، وعلى سبيل المثال ضمن عدد مايو (أيار) لهذا العام من مجلة الكلية الأميركية للجراحين Journal of the American College of Surgeons، نشر الباحثون من المركز الطبي لجامعة كنتاكي دراستهم حول تأثير الضجيج في غرف العمليات على رفع نسبة حصول الأخطاء الطبية الجراحية فيها. ذلك أنه يقلل من تركيز الجراحين على إتقان عملهم ويتسبب في عدم وضوح التواصل فيما بين العاملين في غرف العمليات. وطرح الباحثون من أمثلة الضجيج أنواعا من المحادثات الجانبية بأصوات عالية وغيرها.

والواقع أن الأخطاء الطبية كما أفاد الباحثون ووفق نتائج الإحصاءات العالمية تصيب أكثر من 16% من المرضى المنومين في المستشفيات، ونسبة أعلى تصيب المرضى المراجعين في العيادات. وأن 50% من الأخطاء الطبية التي تصيب المرضى المنومين هي بسبب أخطاء لها علاقة بالعمليات الجراحية.

وعليه، فإن البحث الدقيق لمعرفة أسباب الأخطاء الجراحية مهم جدا في جهود العمل للحد من الأخطاء الطبية بالعموم. وتجدر ملاحظة أن الحرص على الشفافية في رصد الأخطاء الطبية، ضمن المراجعات الداخلية بالمستشفيات، أساس في تطوير جودة الخدمة للمرضى وضمان سلامتهم، وكثير من الأخطاء الطبية ربما لا يرصد وقوعها بشفافية لأسباب بشرية مفهومة ولكن ذلك السلوك «غير الشفاف» سيقلل بشكل كبير من فرص تحسين خدمة المرضى وضمان سلامتهم.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]