سياسة الانفجار العظيم

TT

كيف يمكن لوزير الخارجية جون كيري أن ينجح في «المهمة المستحيلة» من التفاوض على اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني عندما يواجه القضايا المستعصية نفسها التي أخرجت الكثير من جهود صنع السلام السابقة عن مسارها؟

الشكوك حول مشروع كيري عالمية تقريبا، وندرك ذلك عند النظر في مقبرة المفاوضات السابقة. ولكن بعض الديناميات المثيرة للاهتمام تحت السطح ينبغي أن تجعل المراقبين حذرين بشأن إعلانات الدفن السابقة لأوانها.

ما قام به كيري، في الواقع، هو أنه دفع الجانبين لإحكام قبضتهم على إصبع الديناميت. وإذا لم يتمكنوا من نزع فتيل الأزمة في غضون تسعة أشهر عبر التوصل إلى اتفاق، فسوف ينفجر، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الحكومة الفلسطينية المعتدلة في الضفة الغربية؛ وسينقل المناضلون الفلسطينيون قضية الدولة إلى الأمم المتحدة، وربما هذه المرة بدعم أوروبي واسع، وسحب جامعة الدول العربية الغاضبة مبادرة السلام. وستكون فوضى كبيرة للجميع.

وقد أشارت تسيبي ليفني، كبيرة المفاوضين الإسرائيليين، في حفل وزارة الخارجية يوم الثلاثاء، إلى أنه عندما تحدثت أولا مع كيري حول جولة جديدة من محادثات السلام منذ خمسة أشهر، قال لها إن «الفشل ليس خيارا». ومن خلال دفع الجانبين إلى التفاوض الفعلي، أضاف كيري الفاعلية إلى هذا المزيج. وإذا فشلوا هذه المرة، فسوف يكون ذلك مكلفا لكل الأطراف، وستقع التكلفة الأكبر على عاتق إسرائيل.

الميزة الثانية تتمثل في استعداد كيري لأن يكون وسيطا نشطا في هذه الصفقة لا مستمعا سلبيا أو وسيطا. وعندما يصل الجانبان إلى طرق مسدودة أو يعلقون في قضايا جانبية، فسوف يسعى كيري لكسر الجمود بمقترحات أميركية. ومن خلال وضع فتيل لمدة تسعة أشهر على عصا الديناميت، سوف يحد كيري من تكتيكات المماطلة التي اعتمد عليها كلا الجانبين من قبل.

كما يشكل اختياره مارتن إنديك، السفير السابق لدى إسرائيل، مبعوثا خاصا للمحادثات، دافعا آخر. فلا يزال إنديك يحظى بالقبول في إسرائيل وعندما يزورها يعامل كما لو كان ممثل الولايات المتحدة الدائم.

وقد تمكن إنديك من خلال عمله في معهد بروكينغز ومركز سابان من تكوين شبكة وفيرة من الاتصالات الشخصية في منطقة الشرق الأوسط. وقال إنه قادر على القيام باتصالات وطلب خدمات من مختلف أنحاء المنطقة. لكن إنديك صديق لي منذ فترة طويلة، لذلك لا أستطيع أن أدعي أن أكون موضوعيا بشأنه، ولكن أعتقد أن الكثير يتفقون على أنه نتيجة لخبرة إنديك واتصالاته، فسوف يكون من الصعب على أي من الجانبين خداعه.

ستتمتع المفاوضات بزخم حيث سيكون فريق كبير من الخبراء الأميركيين على استعداد لتقديم المشورة للجانبين بشأن القضايا التقنية، مثل المياه والطاقة. فسيواصل جون ألين، الجنرال البحري المتقاعد الذي كان قائد القوات الأميركية في أفغانستان، التشاور مع الإسرائيليين حول ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الأمنية التي يشكلها قيام دولة فلسطينية.

الخيار المثير للاهتمام لكيري هو التوصل إلى تسوية تترك بعض القضايا الصعبة دون حل، مثل الوضع القائم وتقسيم القدس. وقد أوضح مايكل غوردون وإيزابيل كرش هذه النقطة لصحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء عندما أشاروا إلى أن الاتفاق لن يعني بالضرورة «نهاية المطالبات من قبل أي من الجانبين». وقد تستمر الخلافات حول الجهة التي ستسيطر على المسجد الأقصى، أو الحائط الغربي، على سبيل المثال. لكن كي تحصل إسرائيل على فوائد الوقف الكامل للصراع، فإنه سيتعين عليها حل أصعب المسائل.

لم يدفع كيري حتى الآن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتأييد موقف الولايات المتحدة بشأن حدود الدولة الفلسطينية، رغم الجهود المضنية. لكن كيري أكد للفلسطينيين أن الولايات المتحدة تفضل حدود عام 1967، بالإضافة إلى المقايضات المتفق عليها بصورة متبادلة، وهي الصيغة التي ينبغي أن تسمح لغالبية المستوطنين في الضفة الغربية بالبقاء داخل حدود إسرائيل.

وتشكل مسألة الحدود قضية سياسية بالأساس بالنسبة لإسرائيل. فدافع نفتالي بينيت، أحد شركاء حكومة نتنياهو الائتلافية، بحماس عن مصالح المستوطنين، الذين يريدون للموضوع عدم ذكر هذه القضية. ولكن العديد من الإسرائيليين يتفقون مع وجهة النظر التي أعرب عنها الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، الذي قال إن الانسحاب إلى حدود 1967، مع تبادل الحدود، سيكون مقبولا.

يرى البعض أن هذه المفاوضات نوع من الفخاخ الحميدة. فما إن تنجذب الفريسة إلى داخل سيكون من الصعب بالنسبة له الهروب من دون إنجاز أي اتفاق سلام عظيم، وإلا فإنهم يضرون بأنفسهم. وإن لم يفلح ذلك - ما لم يكن الفشل في الحقيقة خيارا هنا لأنها ستكون مضرة للغاية - فربما سيكون الرافضون على حق.

* خدمة «واشنطن بوست»