حرب داحس والغبراء

TT

لا يسع أي متتبع للتحركات الدبلوماسية الغربية المرافقة للثورة السورية إلا أن يدرك بأن الغرب – والإدارة الأميركية تحديدا - يتعامل معها على أساس أنها حرب داحس وغبراء معاصرة.

تلك دامت أربعين سنة واشترك فيها الكثير من القبائل العربية. وهذه شارفت السنة الثالثة من عمرها وشارك فيها الكثير من الدول العربية وغير العربية دون أن يتوصلوا إلى حسم سريع لها... كون واشنطن تتعامل معها ببرودة، وبمنظور المدى البعيد والنفس الطويل.

ماذا يعني، بمقياس زمني، ما سرب هذا الأسبوع عن موافقة الإدارة الأميركية على خطة وضعها رئيس الأركان، الجنرال مارتن ديمبسي، تقضي «في مرحلة أولى» بتدريب الثوار السوريين خارج سوريا وتزويدهم بالسلاح والعتاد، ومن ثم إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية الشمالية أو الجنوبية... لتكون منطقة آمنة يتجمع فيها الثوار والمدنيون؟

تسريب أنباء خطط من هذا النوع في وقت يشترط فيه رئيس الائتلاف السوري المعارض، أحمد عاصي الجربا، تحديد «إطار زمني» لمؤتمر «جنيف2» كي لا تستمر المفاوضات ثلاث سنوات أخرى، يوحي بأن موقف الإدارة الأميركية من الثورة السورية ما زال يراوح في إطار حسابات داخلية وإقليمية عمن سيخلف الرئيس بشار الأسد في قصر المهاجرين وليس في إطار التركيز على أولوية الإطاحة بنظامه، كما تطالب المعارضة السورية - رغم مآسي القتل اليومية واتساع رقعة الدمار الشامل وتحول النزوح السوري إلى نكبة قومية تفوق بحجمها نكبة تهجير الفلسطينيين من أرضهم عام 1948.

واللافت أن واشنطن تتهيأ لإطلاق «المرحلة الأولى» من مخطط التعامل مع الوضع السوري بينما توحي التحركات الميدانية لإيران، والدبلوماسية لروسيا، بأنهما تخوضان ما تعتبرانه المرحلة الأخيرة في حملة النظام على الثوار.

من هنا ضرورة التساؤل عما إذا كان الوضع السوري يتحمل مقاربات تعتمد، وفق المنطق الاستراتيجي الأميركي البعيد المدى، معالجة موزعة على مراحل كي يبدأ الحديث في واشنطن عن «مرحلة أولى»... بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة.

ألم يحن الوقت لأن تلمس واشنطن بأن مجريات الثورة السورية تبدلت جذريا بعد مشاركة إيران المباشرة في الحرب عبر ذراعها العسكرية في لبنان، وأنها لم تعد ثورة سورية داخلية بقدر ما أصبحت حربا إقليمية «بالوكالة»؟ أم أن واشنطن لا تجد مأخذا على إتمام نظام بشار الأسد التحولات الديمغرافية التي يفرضها عسكريا على بلاده، والتي بدأت تتضح منذ اليوم ملامحها المذهبية؟

من مفارقات التاريخ أن يحقق النظام السوري، وبمؤازرة إيرانية، ما عجز الرئيس الأميركي السابق جورج بوش و«محافظوه الجدد» عن تحقيقه – أي شرق أوسط «جديد» تزدهر فيه، هذه المرة، الدويلات الطائفية والعرقية على حساب الدول المدنية والديمقراطية.

للوهلة الأولى قد يتبادر إلى الذهن أن إسرائيل، وحدها، ستكون الرابح الأول والأخير من تفكيك المشرق العربي إلى دويلات طائفية تبرر - إن لم يكن «تشرع» - وجودها في المنطقة. وفي هذا السياق، وانطلاقا من التزام الولايات المتحدة الثابت بـ«أمن» إسرائيل يجوز الافتراض بأن واشنطن لا تمانع في قيام دويلات مذهبية في الشرق الأوسط يرجح أن يتقاتل بعضها مع بعض وتتلهى بالتالي عن مقاتلة العدو السابق المشترك للمنطقة، إسرائيل.

ولكن، بعد تورط حزب الله العسكري في الحرب السورية، هل يمكن لأجهزة الرصد الأميركية، الدبلوماسية والأمنية، أن تغفل عن الاستنتاج بأن الرابح الثاني من تقسيم الشرق الأوسط إلى دول طائفية سيكون الدولة المذهبية الأخرى في المنطقة، أي جمهورية إيران الإسلامية التي لا تخفي دعمها للحركات الشيعية الحزبية في الدول العربية و«الانفصالية» في بعضها؟

التقاء مصلحة إسرائيل ومصلحة إيران على قيام شرق أوسط طائفي ومذهبي قد يتحول إلى عقدة الدبلوماسية الأميركية في «المرحلة الأولى» من تطبيق مقترحات الجنرال ديمبسي. في هذه الحالة لا يستبعد أن تكون الحصيلة الأبرز لهذه العقدة إطالة الحرب السورية إلى أبعد من المرحلة الثانية والثالثة من مخططات واشنطن.