.. والنبلاء أيضا يفشلون

TT

بعد أن تقابلت السيدة أشتون مع الرئيس السابق في محبسه، وهو اللقاء الذي استمر لساعتين، عقدت والدكتور البرادعي مؤتمرا صحافيا رفضت فيه الإفصاح عن محتوى اللقاء. وقبل أن ينتهي المؤتمر استأذنت في الانصراف للحاق بموعد طائرتها. ويظل السؤال بغير إجابة: ماذا كانت مهمتها، ومن بالتحديد طلب منها أداءها؟ وخصوصا أنها ذكرت أنه «طُلب مني»، لقد انشغل الجميع بأداة السؤال «كيف» وليس «لماذا».. كيف سمحت القيادة السياسية لها بزيارة الرئيس السابق، وهى ليست من أهله أو محاميه؟

معظم الأسئلة التي تبدأ بكيف يهدف صاحبها لعدم الحصول على إجابة، هو فقط يريد إظهار غضبه، ولو أنه سأل نفسه، لماذا سمحت الحكومة بهذا اللقاء، كان سيدرك على الفور أنه تم بطلب من الحكومة المصرية، ومن الدكتور البرادعي كما يبدو من ظاهر الأمور. إنها محاولة أخيرة ويائسة بذلها الدكتور البرادعي لتفادي تفجر الموقف وسقوط الضحايا في منطقة رابعة العدوية، وما سيتلوه من كوارث محتمة. هي ليست وساطة، بل إدخال شخصية إلى المشهد، قادرة بثقافتها ودرجة خيالها السياسي ومنصبها المسؤول، على إقناع الدكتور مرسي بفض الاعتصامات سلميا، نظرا لما يمثله الاتحاد الأوروبي له وللجماعة، من نصير بغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد. ولساعتين كاملتين، شرحت السيدة له كل الأخطار الحقيقية، وهي تناشده، وتوقظ بداخله الإحساس بالمسؤولية العامة عن حياة الناس في بلده، كما تنبهه إلى مدى ما سيحظى به من احترام في الغرب وأميركا، بل والعالم كله، عندما يطلب من جماعته فض الاعتصام والكف عن العنف، بينما هو سجين ينتظر المحاكمة. لم تكن السيدة تخدعه في شيء، ولكن من المؤكد أنها شرحت له بأن موافقته على ذلك، ستخفف إلى أبعد حد من موجة الكراهية عند الشعب المصر ضد جماعته، وأن مبادرته سترغم الحكومة المصرية على عدم مطاردة أعضاء الجماعة وإرسالهم إلى المحاكم والسجون. ساعتان والسيدة تشرح والرجل يقول كلمة واحدة هي لأ.. وربما قال: حسنا.. أعود إلى منصبي أولا ثم أصدر قرارا جمهوريا بفض الاعتصامات.

ربما تسألني: هل حضرت ذلك الاجتماع؟

وأرد عليك: اطمئن.. محضر الاجتماع بكل ما قيل فيه موجود عند أجهزة الحكومة المصرية، كما هو موجود عند أجهزة الاتحاد الأوروبي، وأؤكد لك أنه لا يختلف كثيرا عما أقوله لك الآن. يكفيني أن أعرف كيف يفكر شخص ما لكي أستنتج ماذا سيقول.

كان الانفعال السائد عند السيدة أشتون هو الحزن، كان هذا واضحا في نبرات صوتها، وأنا أعرف هذا الإحساس جيدا، أن تشعر أنك فشلت في منع جريمة كبيرة لأن بعض الناس لا يتورعون عن قتل أهلهم ليكسبوا قضاياهم السياسية، أي ليثبتوا أنهم أقوياء. هي لا تشعر بالندم لقيامها بهذه المهمة، فهذا ما يحتمه الواجب والسياسة ومصالح الغرب ومصلحة مصر والمنطقة. غير أن الإنسان في أوقات من هذا النوع يوجه الاتهام إلى نفسه.. آه لو كنت قادرا أكثر على الإقناع. وهذا هو ما يجلب الحزن. أعتقد أن هذا الموقف سيدفع السيدة أشتون لقراءة المزيد عن إحساس بعض الناس باللذة عند ممارسة القتل أو السماح به أو التشجيع عليه.