لو لم نجده عليها لاخترعناه!!

TT

في لمحة شعرية مكثفة أطلقها نزار قباني في قصيدته «ألف أهواه» التي غنتها نجاة قال: «لو لم نجده عليها لاخترعناه» وكان يقصد الحب، والحقيقة أن الشعوب أيضا عندما تعيش في لحظة ضبابية ولا تجد الزعيم الذي تلتف حوله تخترعه.

تبحث مصر عن زعيم تمنحه الأمانة ليصبح هو المخلص من كل الآلام والمحقق لكل الآمال. قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بعامين لاح في الأفق اسم الدكتور محمد البرادعي. وجدوا فيه بعض ومضات الزعيم، ولأول مرة شاهد الناس في مطار القاهرة استقبالا جماهيريا لإنسان غير رئيس الجمهورية. وهتفوا «شد القلوع يا برادعي مفيش رجوع يا برادعي» على الفور بدأت أجهزة الدولة العميقة في تشويه البرادعي واعتبرته العدو الأول وسلطت حتى «شعبولا» ليطلق ضده عددا من أغنياته.

ولم تتوقف الأجهزة عن تحطيمه أدبيا مستغلة أن الذاكرة الشعبية من كثرة الإلحاح الإعلامي صدقت كثيرا من تلك التهم. البرادعي كان يتألق أكثر في العالم الافتراضي «تويتر» و«فيس بوك»، التغريدة هي وسيلته ولهذا حقق وجودا بين الشباب وصار يحمل لقب «البوب»، بينما في اللقاءات الحية افتقد تلك «الكاريزما» فلم تنجح مصر في اختراعه زعيما.

أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أكثر من عام حاولوا مرة أخرى اختراع زعيم وتوجهت المشاعر إلى حمدين صباحي، الذي كان في أحيان كثيرة يسعى لكي يعيد للأذهان صورة عبد الناصر، نصير العمال والفلاحين والمهمشين وبعد أن وصل سريعا إلى ذروة الشعبية بدأ يعاني سريعا الخفوت.

ثم جاء الفريق أول عبد الفتاح السيسي بكلمته التي تحولت إلى شعار «مصر أم الدنيا وح تبقي قد الدنيا»، وتوافقت في الضمير الجمعي صورتا السيسي وعبد الناصر، خصوصا بعد إنذار الـ48 ساعة واعتبروه البطل المنتظر.

أعلن السيسي أكثر من مرة أنه لن يدخل انتخابات الرئاسة ولا عودة للجيش في العمل بالسياسة، إلا أن الفضائيات امتلأت بالأغنيات التي تغزلت فيه باعتباره هو البطل الحلم، وعدد من المواليد الجدد بدلا من أن يطلق عليهم آباؤهم أسماء عصرية مثل هيثم ولؤي توجهوا للسجل المدني باسمي عبد الفتاح والسيسي، عدد من الإعلاميين والمثقفين الذين كانوا من منافقي مبارك اعتقدوا أن الفرصة جاءت إليهم ليعيدوا نفس الموال للفريق أول، ولا أستبعد أنه عندما يقترب باب الترشح لرئاسة الجمهورية أن يتم تنظيم مظاهرات من عدد من النقابات والهيئات لمطالبته بالترشح، الناس التي عاشت حلم الثورة تعيش أيضا محاولة إجهاضها، البعض نجح في أن يصدر للرأي العام هذا الإحساس بأن مصر قبل 25 يناير أفضل وأن الثورة الحقيقية هي 30 يونيو (حزيران).

وفي هذا الزحام لم يتوقف الجميع في البحث عن الزعيم، بعد 25 يناير كان السؤال عن الرئيس التوافقي الذي يستطيع أن يرضي أغلب طوائف المجتمع بين الليبراليين والإخوان ولكن ثبت أن التوافق حلم بعيد المنال، ووجدوا أن الحل هو في اختراع زعيم، وماكينة الإعلام تلعب دورها في تأكيد صورة ذهنية، الشارع في حالة إحباط يحاول أن يمسك بطوق النجاة، ونسينا في الزحام أن قطار الحياة لا يعود لمحطة سابقة، انتهى زمن الزعيم الملهم الذي تمنحه الأمة تفويضا مطلقا على بياض، مثل الذي وقعوه لسعد زغلول في ثورة 1919، وما كرروه بعدها في 1952 لعبد الناصر، استلهموا في صورة عبد الفتاح بعضا من عبق جمال، وفاتهم أن هذا هو المستحيل.. «وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان»!!