سنوات أحمدي نجاد

TT

في 24 يونيو (حزيران) 2005، تم انتخاب عمدة مدينة أصولي، رئيسا لإيران بنحو 63% من إجمالي عدد الأصوات. أطاح محمود أحمدي نجاد بالرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي كان المرشح الأوفر حظا في مرحلة ما قبل الانتخابات، ليصبح الرئيس السادس لإيران. وعد أحمدي نجاد خلال حملته الانتخابية بالقضاء على الفساد وتوزيع عائدات النفط على موائد عشاء الإيرانيين العاديين. فابتهج الناس.

وهاهم يعودون إلى الابتهاج مجددا، لكنهم يحتفلون هذه المرة برحيل أحمدي نجاد عن السلطة، لا بوصوله إليها. تنتهي فترة رئاسة أحمدي رسميا في الثالث من أغسطس (آب) عندما يؤدي حسن روحاني اليمين الدستورية خلفا له. ومع وصول قطار رئاسة أحمدي نجاد إلى نهاية رحلة امتدت لثماني سنوات. فأي نوع من الرؤساء كان نجاد، وما هو الإرث الذي خلفه لإيران؟

ولعل أفضل شيء يمكن للمرء أن يقوله عن أحمدي نجاد إنه أفصح عن شخصيته منذ البداية - وقد كانت الأشهر الأولى من رئاسته محورية بالنسبة لكل ما تلاها. فلم تكد تمضي بضعة أسابيع فقط على توليه منصبه، كشف عن نغمة إدارته في 17 سبتمبر (أيلول) 2005، بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. أثار أحمدي نجاد يأس مستمعيه من الدبلوماسيين الأوروبيين والأميركيين المستمعين، عندما هاجم القوى الغربية وأدلى بتصريحات مقيتة حول هجمات 11 / 9 على الولايات المتحدة.

كانت أفكاره، كما تبين، مشتقة بشكل مباشر من مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله الخميني. ورأى أحمدي نجاد، كحال الخميني، عالم ظالم خانغ للقوى الغربية التي تدير هذا العالم، وكان هذا الموقف توصيفا لحال الجمهورية الإسلامية في أكثر فتراتها رجعية وأظهرت ملامح السياسة الإيرانية طوال فترة رئاسته.

ولم تكن إشارته إلى نيته إصلاح السياسة الخارجية الإيرانية، مجرد تغيير بلاغي، فقد أجرى عملية تطهير فورية في صفوف الدبلوماسيين الإيرانيين في جميع أنحاء العالم، بشكل جماعي، وتم استبدالهم بآخرين يحملون نفس العقيدة المتشددة. الأهم من ذلك، كان أول قرار له في المجال النووي تعيين المحافظ علي لاريجاني بديلا لحسن روحاني (بوصفه المسؤول عن المفاوضات النووية) أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، وبالتالي كبير المفاوضين النوويين كما أعلن أحمدي نجاد، أن تشكيل حكومة شعبية وأصولية من شأنه أن يحل مشكلات إيران».

كانت الشعوبية والتحدي شعارا لرئاسة أحمدي نجاد، وكانت القضية التي جاءت لتهيمن على كل تصرفاته تقريبا، خصوصا فيما يتعلق بالبرنامج النووي. وكان وصوله قد تزامن مع استئناف تخصيب اليورانيوم في منشأة ناتانز الإيرانية، وكان أحمدي نجاد يشرف على تسريع وتيرة أنشطة التخصيب التي أدت، في أبريل (نيسان) عام 2006، إلى نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5%، وهو المستوى المطلوب للوقود النووي المستخدم في مفاعلات الطاقة. وأعلن أحمدي نجاد المنتصر بشكل واضح أن بلاده «دولة نووية».

في تلك الفترة أوشك أحمدي نجاد على تحقيق النجاح، فكان أعظم دعاة ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح «الشعوبية النووية»، حيث سعى لحشد الإيرانيين لدعم النظام من خلال الزعم بأن الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، عازمتان على «منع تقدم إيران من خلال منع تقدم برنامجها النووي، في أرقى تقاليد الإمبريالية الغربية. نجحت هذه السياسة لبعض الوقت. وكان خطاب الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الذي يهدد فيه (بتغيير النظام) هبة من السماء لأحمدي نجاد ولمن حوله، وحث الإيرانيين على التوحد في مواجهة العدو الخارجي الذي اعترف على نفسه.

ولكن كل هذا جاء بتكلفة كبيرة. فقبل وصول أحمدي نجاد كانت إيران قد تمكنت من تجنب العقوبات. ومنذ أن أصبح رئيسا، واصلت إيران تخصيب اليورانيوم وأدى تعنتها الدبلوماسي إلى عدة جولات من عقوبات الأمم المتحدة ومجموعة من العقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي من جانب واحد شلت الاقتصاد، وأدت إلى زيادة الاضطرابات الاجتماعية وشتت شمل نخبتها السياسية. لكن أيا من هذا لم يبد أنه أزعج الرئيس الذي، على الرغم من ذلك، مضى في طريقة بهدوء، واصفا العقوبات بأنها ليست أكثر من «منديل مستعمل» ينبغي أن يلقى في سلة المهملات وغير قادرة على إيذاء الإيرانيين» - الادعاء الأخير ثبت كذبه. فإيران اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه في عام 2005 بسبب العقوبات، وكثير من اللوم يقع على عاتق أحمدي نجاد شخصيا

بدا أحمدي نجاد جاهلا بالأعراف الدبلوماسية فلم يكن يملك سوى لغة التحدي والمواجهة على الأغلب. وبدا لأحمدي نجاد، أن مبرر وجود الجمهورية الإسلامية كان «المقاومة»، وهو مجاز للآيديولوجيا الخمينية التي أسهمت في تضرر علاقات إيران مع كثير من دول العالم. وربما أدت «المقاومة» أيضا إلى خطأ أفظع من رفض مبادرات الولايات المتحدة لانفراج الأزمة في بداية ولاية جورج دبليو بوش الثانية، التي شهدت تولي كوندوليزا رايس ونيك بيرنز دفة وزارة الخارجية يحدوهما رغبة في إصلاح العلاقات الأميركية الإيرانية. وفي مؤتمر صحافي مشترك يوم 1 يونيو 2006، في فيينا، عرض بيرنز ورايس، مفاوضات ثنائية مباشرة على الحكومة الإيرانية لأول مرة في ما يقرب من ثلاثين عاما. وقد أيد كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين لاريجاني الاقتراح، لكن هذا العرض كان يمثل إشكالية بالنسبة لأحمدي نجاد، الذي كان قد راهن كثيرا برأسماله السياسي على مقاومة «الشيطان الأكبر». وانتظر بيرنز ورايس لاريجاني في نيويورك، لكنه لم يظهر على الإطلاق، وفاز أحمدي نجاد في المعركة في طهران، وهي ما كان مأساة لكل من الولايات المتحدة وإيران.

وبالمثل أصاب إيران الضرر نتيجة خطاب الرئيس المعادي لإسرائيل. وهنا، نجح أحمدي نجاد فقط في زيادة تعنت اليمين المتشدد في إسرائيل بالفعل تجاه البرنامج النووي الإيراني. وقد أثار وصفه لإسرائيل بأنها «ورم» ينبغي «محوها من الخريطة» والمحرقة بأنها «أسطورة» قدرا كبيرا من الذعر بين الإسرائيليين. ووصفت تل أبيب البرنامج النووي الإيراني بالتهديد الوجودي لسنوات، وقد أدى انتخاب أحمدي نجاد إلى جعل التهديد المتصور أكثر إلحاحا. ونظرا للتقدم في البرنامج، أكد الإسرائيليون المتشددون على تنامي الخطر، ولم يختف بعد. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت أحمدي نجاد «مختل عقليا» يتحدث مثل هتلر وأكد للناخب الإسرائيلي أن إيران لن تتمكن من امتلاك قنبلة نووية.

قد يكون تسريع أحمدي نجاد لأنشطة إيران النووية استفزازيا للغاية، ولكنه جلب على الأقل نتائج تكنولوجية ملموسة. فكلماته التهديدية أعطت فقط المتشددين في إسرائيل والولايات المتحدة الدوافع التي يحتاجونها لزيادة الضغط على إيران، وبذلك فرض مزيد من العقوبات وزيادة احتمال القيام بعمل عسكري ضدها.

لكن ربما كانت أدنى حالاته في أعقاب انتخابه للمرة الثانية في عام 2009، وكان منافسه الأبرز مير حسين موسوي، الذي يعتقد أنه حصل على غالبية الأصوات - كان الإيرانيون قد سئموا من أحمدي نجاد - لكن التزوير في احتساب الأصوات وتزوير الاقتراع منحه الفوز في الانتخابات على أية حال. ونزل الإيرانيون إلى الشوارع بمئات الآلاف، وواجهتهم قوات النظام، وانهالت الإدانات من العالم على إيران ووجد النظام نفسه أكثر عزلة.

كان ذلك نزيفا للشرعية أكثر من أي وقت مضى - خاصة في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي الإيراني - الناس يصرخون الآن «الموت للديكتاتور» من على أسطح المنازل في طهران، كما فعلوا في السابق في عهد الشاه. وفي الوقت ذاته، اتهم رجال مثل هاشمي رفسنجاني يهاجم النظام، بإثارة حنق العالم على إيران وإضعاف البلاد.

كانت الفرص الضائعة، وزيادة العزلة الإيرانية، والعقوبات الدولية، وتدهور الاقتصاد الإيراني، وزيادة التوتر مع إسرائيل والولايات المتحدة وفقدان الشرعية الحكومية إرث رئاسة أحمدي نجاد رئيسا للبلاد. كان كارثة بالنسبة لإيران.

الشعب الإيراني يحتاج ويستحق رئيسا قادرا على وقف بعض الأضرار الكبيرة والمدمرة التي تسبب فيها. وبتصويتهم لحسن روحاني، أظهر الإيرانيون أنهم يدركون الحاجة إلى التغيير ويسعون في سبيل ذلك، تماما كما فعلوا قبل أربع سنوات، عندما صوتوا لموسوي. روحاني لديه أعظم ميزة سياسية يمكنه استغلالها، ألا وهي التفويض الشعبي من أجل التغيير. وهو ما يجب أن يستخدمه دون شك.

* ديفيد باتريكاراكوس مؤلف كتاب «إيران النووية: مولد دولة نووية»، الذي رشح لنيل جائزة كتاب العام عن العلاقات الدولية في جوائز الكتب السياسية.