هل قدرنا كعرب أن نراوح مكاننا؟

TT

يبدو أن ما حدث في عالمنا العربي من أحداث سياسية في عام 2011 وما سمي بـ«الربيع العربي» لم يكن في الواقع إلا «خريفا عربيا»، حيث أوجد مشكلات سياسية لتلك الشعوب ورجع بها إلى الوراء، ولا أحد يرفض التغيير من حيث المبدأ ولكن ليس بتلك الصورة، فالتغيير في المجتمعات يجب أن يكون متدرجا ومرحليا، والدليل على ذلك أن هناك بعض الدول العربية التي حققت التقدم والرقي ورفعت مستوى معيشة شعوبها ولكن ليس بالصورة التي جاءت بها تلك «الثورات». وهذا يكشف لنا أن هناك إشكالية تعاني منها بعض الدول العربية وخاصة ذات النظم الجمهورية، وهي أنها لا تريد أن تأخذ بمبدأ المرحلية في التغيير، والأحداث التي تشهدها مصر وتونس وليبيا أكبر دليل على ذلك.

وهنا نعطي مثالا يؤكد لنا هذه الإشكالية القديمة والجديدة التي وقفت وما زالت حجر عثرة أمام التغيير في تلك المجتمعات، وهو أنها لا تريد أن تساير التطور الطبيعي للمجتمعات البشرية والتي وصلت إلى مرحلة المجتمع المدني في تطورها، ففي أكبر الدول العربية، وهي مصر، ما إن انتفض شعبها وشبابها على الاستبداد والطغيان من أجل أن تأخذ موقعها في العالم حتى جاء نظام سياسي مماثل لما سبقه وقفز إلى السلطة. وبدل أن يدرك الإخوان أن دورهم في السلطة يختلف عن دورهم كمعارضة وكان عليهم أن يشركوا المكونات الأخرى في العملية السياسية هيمنت هذه الجماعة على كل مرافق الدولة ابتداء من القضاء إلى السياسة الخارجية وتنفذ الإخوان في كل السلطات التنفيذية، فأصبح مرشد الإخوان يتبعه رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه وهما من الإخوان واللذان يتلقيان أوامرهما من المرشد الأعلى، والسلطة التشريعية الممثلة في رئيس مجلس الشورى، وهو ونصف أعضاء المجلس من الإخوان، وكان الخطأ القاتل الذي عجل برحيلهم هو سعي الإخوان إلى التحكم والسيطرة على السلطة القضائية لكي تكتمل الدائرة، حيث عزل رئيس المحكمة الدستورية وتم تقليص سلطات القضاء الذي هو خط أحمر عند المصريين، حيث عرف عنهم تقديرهم للقضاء ومشهود له بالعراقة والمكانة عند المصريين. وهكذا تم حكم الجماعة الإخوانية والتي أحكمت سيطرتها على مصر ورجعت بها إلى ما قبل ثورة يناير (كانون الثاني). التغيير الذي حدث كان تغييرا في اسم الحزب والأشخاص، فأصبح الوضع كما كان في ظل الحزب الوطني. هذا المشهد السياسي الذي حدث بمصر لا يستطيع أن ينكره أحد.

حول إشكالية الحكم في الوطن العربي يقول المفكر الدكتور باقر النجار في كتابه «الديمقراطية العصية في الخليج العربي»، وهو يصف هذه الإشكالية المزمنة في الحكم التي تعاني منها في الحقيقة أغلب المجتمعات العربية، يقول الدكتور النجار: «لقد بدت الدولة العربية ومؤسساتها على استعداد في بعض حالاتها لأن تدمر المجتمع الذي تقف على قمته، إذا ما أتاح لها ذلك فسحة من الاستمرار وقدرا من القوة والأمان»، ويستطرد الدكتور النجار بقوله: «وتتجاوز كل ذلك باستحضار أشكال ونماذج حداثية وأخرى ما قبل حداثية تعينها ولو مؤقتا على تجاوز معضلتها أو مآزق شرعيتها السياسية».

قد تختلف السبل من قبل الأحزاب المستهلكة في الوطن العربي وبالتحديد في النظم الجمهورية عند وصولها للسلطة، ولكنها تلتقي في أنها تكاد أن ترفع شعارا واحدا عندما تصل إليها، وهو «أنا الوطن.. والوطن أنا»، وبالتالي تقصي وتهمش كل الفئات الأخرى وتغض النظر عن التعددية السياسية في المجتمع وتظل هي المتنفذة وحاكمها هو القائد الملهم، ويا جبل ما يهزك ريح! لذا نقول إن أزمتنا في الدول العربية ذات النظم الجمهورية هي أزمة عقلية وفكرية، كانت تنشد الوحدة فأصبحت تحارب من أجل عدم التجزئة وتقسيم المقسم، وتحيط كل ذلك بسياج نظرية المؤامرة الخارجية التي هي الشماعة التي تعلق عليها كل إخفاقاتها وفشلها وعدم تمكنها من مسايرة العالم المتحضر!

ولذا، فإذا ما أردنا أن نسير في الطريق الصحيح، فعلينا أن ندعم قيم المجتمع المدني واقعا لا شعارات، وهي قيم المشاركة السياسية والتعددية السياسية وحرية التعبير والاعتراف بالطرف الآخر والمساواة والعدالة والفصل بين السلطات وإبراز الطبقة الوسطى المهمشة في أغلب الدول العربية ونشر التعليم والقضاء على البطالة والبطالة المقنعة. والأهم من ذلك ألا نتخذ من الدين وسيلة لنشد قبضتنا على منصب أو سلطة، فالإسلام دين للدولة وليس آيديولوجية سياسية. إن استطعنا أن نفرق بين كل هذه المفاهيم، فسنتمكن من الوصول إلى المجتمع القيمي المعتدل الذي يطبق تعاليم ديننا الحنيف، وإلا فسنظل نختنق بصراعاتنا الداخلية ولن نراوح مكاننا!

* اكاديمي وكاتب بحريني