مصر والخروج من الأزمة !

TT

مصر بحاجة لانفراج في أزمتها، لا أعني حالة الاستقطاب العالية واعتصامات رابعة العدوية وميدان النهضة وحالة الشلل السياسي الذي نجم عن حراك العسكر وإطاحته بالرئيس المعزول محمد مرسي، فهذه الأزمة نالت اهتماما محليا وإقليميا وعالميا جعلت وفود الاتحاد الأوروبي وحكماء منظمة الوحدة الأفريقية، وأخيرا الولايات المتحدة يتقاطرون على القاهرة لحل الأزمة وحلحلة الموقف المتصلب للمتنازعين، فانزلاق البلاد إلى حرب أهلية أو في أقل الأحوال إلى مصادمات دموية ليس في صالح أحد لا في الشرق ولا في الغرب، ولهذا فالأزمة السياسية مرشحة في الغالب للانفراج.

لكن الأزمة الأخرى التي لن يتدخل لحلها شرق ولا غرب هي أزمة المثقفين والأحزاب السياسية ورموز الإعلام في مصر، فما زالت ممارساتهم ومواقفهم وأقوالهم وتصريحاتهم ليست أبدا في مستوى الثورة التي هزت الكيان المصري وأطاحت بأعتى الزعامات السياسية في المنطقة، فهم الذين زادوا من درجة الاستقطاب، وهم الذين لم يمارسوا اللعبة الديمقراطية كما يجب، وهم الذين زادوا سخونة صفيح السياسة الملتهب. أنا لست مثاليا حتى أطلب من الأحزاب المتصارعة أن تكون مثالية، فليس في عالم السياسة إلا الصراع المر والمناكفات المزعجة، لكني أتحدث عن الحد الأدنى في مقاييس المناكفات السياسية العالمية، باختصار: قليل من المثالية وكثير من الميكافيلية.

لقد بدا مشهد الأغلبية الكبيرة من الأحزاب السياسية ومعها الإعلام المصري وهو يحلل ويعالج الأوضاع السياسية في البلاد وكأنها مباراة بين الزمالك والأهلي لم يحضرها إلا جماهير الأخير، فكل الفضائيات والصحف المصرية تظهر بلون واحد وبصوت واحد وبنغمة واحدة، فالاعتقال السياسي لبعض قيادات الإسلاميين من وجهة نظرها مرحب به، وإغلاق بعض الفضائيات إجراء لا بد منه، والملاحقة القضائية مطلب وطني، وفض اعتصامات الإسلاميين واجب قومي، فإن أرادت الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات حازمة فلقوتها، وإن تراخت فلحكمتها، وإن تنبهت فلفطنتها، وإن تغافلت فلحنِّيَّتها، وهذا ما لا يليق أبدا ببلد خرجت جماهيره هادرة طلبا للتغيير الذي من أبجدياته التنوع في الطرح والاختلاف في الرؤى. من صالح الحكومة المصرية والأحزاب السياسية والقنوات الإعلامية أن يظهر على السطح تنوع سياسي وطروحات مختلفة حتى ولو من باب التزويقة السياسية لإخراج مشهد سياسي مهضوم.

نتفهم أن يخرج أي مسؤول في الحكومة المصرية ليبرر أو يشرح الإجراءات والقرارات التي تتخذها، سواء كانت أمنية أو سياسية، ومن المقبول أيضا أن توافق على هذه الإجراءات والقرارات «بعض» الأحزاب و«بعض» الفضائيات وتؤيدها وتبررها، لكن أن توافق «كل» الأحزاب والفضائيات على «كل» القرارات الحكومية فهذا ما لا يبدو صحيا ولا طبيعيا، ولهذا كان موقف الأكاديمي والصحافي الدكتور عمرو حمزاوي والدكتور باسم يوسف صاحب البرنامج السياسي الساخر «البرنامج» لافتا واستثنائيا من بين الإعلاميين والسياسيين المصريين، فقد انتقدا حالة التضحية بمبادئ الليبرالية تحت مشرحة المناكفات السياسية والخصومة الحزبية للتيارات الإسلامية.