جيل أميركي هادئ

TT

ثمة جيل شجاع وهادئ من الرجال والنساء الأميركيين من أصل أفريقي الذين دخلوا مسارات صعبة فرضتها عليهم الحياة خلال القرن الماضي. إنه الجيل الذي أخذ على عاتقه كل التحديات وتحمل الازدراء وتغلب على الحواجز التي واجهته في الطريق، ولكنه مع كل ذلك لم ينحدر إلى الأنين والشكوى. إنه الجيل الذي حقق نجاحا كبيرا مسلحا بالثقة والشرف والكرامة. هذا الجيل يمثل وجه واشنطن، الذي لا تكاد البلاد، ناهيك عن هذه المدينة، تعترف به على الإطلاق.

وقد ظهر ممثلو هذا الجيل في الآونة الأخيرة في وزارة الخارجية الأميركية في «فوجي بوتوم»، كما جرى إحياء ذكرى عضو آخر الشهر الماضي في كنيسة أسبوري يونيتد ميثوديست.

وفي حفل في شهر يونيو (حزيران) الماضي، اعترفت وزارة الخارجية بالذكرى الأربعين لمجموعة «ثرسداي لانشيون غروب»، وهي عبارة عن اجتماع منظم وربع سنوي للأميركيين الأفارقة الذين يعملون في وزارة الخارجية وغيرها من وكالات العلاقات الخارجية.

وعلى مدى تاريخها الممتد لأربعة عقود، نمت المجموعة من كيان صغير يضم مؤسسيه الاثنين فقط إلى كيان كبير يضم أكثر من 300 عضو، من بينهم سفراء ووزراء وموظفون في الخارجية وموظفون بارزون في الخدمة المدنية.

إنهم يمثلون تغييرا هائلا في الدبلوماسية الأميركية من فترة الثلاثينات من القرن الماضي عندما قامت فرقة من مشاة البحرية الأميركية جميعها من البيض بوداع رئيس هاييتي بعبارة «وداعا أيها الطائر الأسود».

ويعد أعضاء المجموعة من الرواد في مهمة صعبة وشاقة، وهي تمثيل الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. وعندما أقول إن الأميركيين الأفارقة قد وجدوا صعوبة كبيرة في العمل في مجال الخدمة الخارجية فإن هذا شيء واضح للعيان ولا يحتاج التأكيد عليه، وقد أدركت ذلك جيدا خلال عملي لمدة ست سنوات في وزارة الخارجية في الداخل وفي الخارج. وإذا كنت تريد أن تعرف تلك المعاناة، فعليك النظر إلى تصريحات السفير تيرينس تودمان في الحوار الذي أجراه عام 1995 مع رابطة الدراسات والتدريبات الدبلوماسية والتي قال فيها «كنت أسود في وزارة خارجية ناصعة البياض».

وبالتالي، فإن إنجازات الدبلوماسيين مثل تودمان - الذي جرى تكريمه في الذكرى الأربعين للمنظمة - كانت أكثر من رائعة. وكان من بين الحاضرين الذين لاقوا ترحيبا كبيرا إدوارد بيركنز، الذي كان أول أميركي أفريقي يشغل منصب المدير العام للخدمة الخارجية والذي شغل أيضا منصب سفير الولايات المتحدة لدى جنوب أفريقيا، وأوريليا برازيل، وهي أول أميركية أفريقية تشغل منصب مسؤول الخدمة الخارجية، قبل أن ترتقي للكثير من المناصب العليا، بما في ذلك السفيرة الأميركية إلى ميكرونيزيا وكينيا وإثيوبيا.

في الحقيقة، لا تعلم الولايات المتحدة - بل والعالم - الكثير عن مساهمات هذه الشخصيات في الدبلوماسية والتنمية الدولية، وربما سيظل الأمر كذلك لو تركنا أنفسنا لوسائل الإعلام في واشنطن. ومع ذلك، فقد مهد هذا الجيل الطريق بشجاعة وتصميم هادئ لجيل جديد من الشباب يتعين عليه أن يسير على نفس المنوال. ومن الأشياء التي تحسب لمجموعة «ثرسداي لانشيون غروب» أن الكثير من أعضائها قد حثوا غيرهم من الأميركيين الأفارقة على الانضمام للساحة السياسة الخارجية من خلال المنح الدراسية وبرامج التوجيه، وهو ما مهد الطريق أمام شخص مثل تشارلز هاينز، الذي ولد في واشنطن وتخرج في مدرسة دنبار الثانوية وجامعة هوارد، لكي يرتقي في صفوف الجيش الأميركي حتى يصل لرتبة لواء، قبل أن يرحل عن عالمنا في الرابع من يوليو (تموز) الماضي.

لقد وصل هاينز إلى القمة في كل شيء، فمن الناحية الأكاديمية، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة جونز هوبكنز؛ ومن الناحية العلمية، فقد شغل منصب رئيس جامعة «براري فيو إيه أند إم». وكان أول أميركي أفريقي يترأس مؤسسة عسكرية في الجنوب، وهي مؤسسة فورت مكليلان ابتداء من يوليو (تموز) 1989. وقبل ذلك، كان هاينز يشغل منصب رئيس مكتب موظفي الضباط بوزارة الدفاع. وقد شارك هاينز في حرب فيتنام وحصل على وسام الاستحقاق والنجمة البرونزية وشارة المظلي.

وقد سرت على نفس مسار تشاك هاينز في دنبار وهوارد، ولكني لم أتمكن من تحقيق ما حققه، وانتهت مسيرتي العسكرية كملازم أول، في حين تقاعد تشاك وهناك نجمتان على كتفيه.

لقد ذهبت إلى فورت مكليلان عام 1963 للحصول على برنامج تجريبي في اختيار الضباط في المستقبل. ووصل تشاك بعد 26 عاما لتشغيل البرنامج بأكمله. وقد سبقني تشاك في الأبوة، فله سبعة أطفال مقابل ثلاثة لي، وله 12 حفيدا مقابل سبعة لي.

وقد برع تشاك في كل شيء، ولم يكن يتفاخر بما حققه مطلقا. لقد كان قائدا مثاليا، وكان يطلب من الآخرين أن يقوموا بأفضل شيء ويتوقع منهم القيام بذلك. يذكر أن تشاك هاينز عضو أيضا في مجموعة «ثرسداي لانشيون غروب» وأحد أبرز الأميركيين الأفارقة في القرن العشرين في شتى مناحي الحياة – من العلماء والمحامين والقضاة وأساتذة الجامعات والأطباء والمعلمين والمهندسين والقادة العسكريين ورجال الدين والمهندسين المعماريين والصحافيين والمديرين التنفيذيين - علاوة على أنه يتمتع بتاريخ مشرف، ولذا لم يحظ مثل هؤلاء الرجال بتغطية كبيرة من جانب وسائل الإعلام الرئيسة.

ينتمي هاينز، ومجموعة «ثارسداي لانشيون غروب» وغيرها، إلى جيل شجاع وهادئ من الأميركيين الأفارقة الذين تغلبوا على الصعاب، ولذا فهم يستحقون التكريم والاحترام من هذه الأمة.

*خدمة: «واشنطن بوست»