من قرع باب تركيا في الصومال؟

TT

الهجوم الأخير الذي استهدف السفارة التركية في العاصمة الصومالية مقديشو لو حقق غايته لكانت الخسائر والأضرار أكبر من ذلك بكثير. يقظة حرس المبنى وقتل بعض المهاجمين قبل تفجير عبواتهم حال دون مخطط إيقاع أكبر عدد من الأتراك بين دبلوماسيين ورجال أمن.

بيان حركة «الشباب الصومالي» المنظمة التي تعتبر امتدادا لـ«القاعدة»، الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم، رد السبب إلى «سياسة تركيا المتعاونة مع القيادة الصومالية التي تمنع تطبيق الشريعة في البلاد»، ونحن كدنا نقبل بهذا السيناريو الذي يعتبر منطقيا ما دامت تركيا، خصوصا في الأعوام الخمسة الأخيرة، وسعت من حركة تنقلاتها وزادت من مشاريعها الإعمارية والإنمائية والإنسانية التي وصلت إلى أبعد المناطق الصومالية، مما جعل من السفارة التركية أنشط البعثات التي تتحرك على مدار الساعة كما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، ومما يتسبب في قطع الطريق على هذه المنظمات في إيجاد المناصرين والداعمين.

كدنا أن نقتنع أيضا أن الهجوم ثمن تدفعه تركيا مثل الكثير من الدول التي توجهت إلى الصومال لتوفير السلم بين الجماعات المتقاتلة وإنهاء الحرب الأهلية الطويلة، لكنها تركت البلاد وسط حالة من الفراغ السياسي والأمني بعدما بدأت التناحر في ما بينها على اقتسام قطعة الجبن الأفريقية بغطاء دولي وأممي وتدخل مباشر للمنظمات الإقليمية والدولية ووجود عسكري وأمني هناك.

لكن اتهامات أنقرة المباشرة في أعقاب الهجوم لقوى دولية «أغاظها» النشاط التركي القوي في الصومال الذي قلب الحسابات والمعادلات التقليدية المعروفة في القرن الأفريقي، حول الأنظار نحو سيناريو آخر له علاقة مباشرة بوجود لاعبين إقليميين جدد في هذه المنطقة الموصوفة بالبقعة الخلفية لمشروع الشرق الأوسط الكبير وامتلاكها لأهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم وربما ما زاد من قيمتها وأهميتها هو الاكتشافات النفطية والعثور على المعادن الثمينة هناك. تصريحات داود أوغلو حول دور بعض القوى المنزعجة من التحرك التركي في الصومال في تنفيذ الهجوم قادنا إلى قناعة جديدة حول الاعتداء وأسبابه، ودفعنا لتوسيع رقعة الاحتمالات واعتبار الهجوم على أنه حلقة في تصفية الحسابات مع تركيا التي تسببت في تراجع نفوذهم وهددت مصالحهم في منطقة صالوا وجالوا فيها لعقود طويلة.

تحليلات سياسية وأمنية مثيرة في الداخل التركي أعادتنا إلى خط البداية من جديد حول الجهة الفاعلة ومصلحتها في تنفيذ هذا الهجوم. قيل لنا هذه المرة إن قوى الداخل والخارج المتآمرة ضد حكومة رجب طيب أردوغان التي تريد إبعاد الإسلاميين عن الحكم في إطار مخطط شمولي هي التي أعدت ومولت الهجوم وكلفت الشباب بتنفيذه لصالحها. إيقاف البحرية اليونانية قبل أيام لقارب مطاطي يحاول نقل أسلحة ومتفجرات إلى تركيا، وما ذكر حول اعترافات بالإعداد لحملة اغتيالات لشخصيات سياسية ورسمية كبيرة يعزز مقولة تحرك هذه القوى في داخل تركيا وخارجها واحتمال وقوفها وراء مخطط مقديشو.

لكن الاحتمال الأقوى يظل طبعا هو أن تركيا تدفع ثمن تغيير سياستها ومواقفها حيال منظمات ومجموعات متطرفة حصلت على خدمات وتسهيلات، والتغاضي عن تحركاتها في مناطق الحدود التركية السورية وورطت أنقرة في أكثر من مواجهة سياسية ودبلوماسية مع الشركاء والحلفاء قبل غيرهم. وإن هذه القوى أرادت بدورها تحذير حكومة أردوغان من خطورة وارتدادات أية محاولة لقطع الطريق الأهم على إمداداتها وتنقلاتها أو محاولة بناء تحالفات جديدة في سوريا تكون على حسابها. رسالة مقديشو ذكرت الأتراك بهجمات ما قبل 10 سنوات في العمق التجاري والسياحي لمدينة إسطنبول التي نفذتها «القاعدة»، وبأن أنقرة لا يمكن لها أن تثق أو تلعب ورقة هذه المجموعات التي ترفض مراقصة أحد إلا إذا كانت هي من يقول الكلمة الأخيرة حول الشروط والخيارات، وأن استقبال صالح مسلم الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني عدوها الأول اليوم في المدن السورية لن يمر بمثل هذه البساطة، وحتى لو كلفها ذلك نقل جبهات القتال من الاحتراب مع النظام السوري إلى محاولة الإطاحة بأكراد سوريا وفي قلب مناطق نفوذهم وانتشارهم الكثيف، خصوصا أنها كانت تستعد لإعلان الإمارات وتسمية الأمراء.