لا إقصاء بقوة الدستور

TT

علينا أن نضمن أنه لا إقصاء لأحد من جماعة الإخوان. وهذه الضمانة يجب أن تكون بقوة مواد الدستور. ولما كانت المهن العادية غير قابلة للإقصاء بطبيعتها، مثل الهندسة والطب والتجارة والتدريس وما إلى ذلك، فعلى مواد الدستور أن تهتم بتلك المهن التي يشكل الإقصاء فيها خطرا كبيرا على الفرد والمجتمع. وفي مقدمة ذلك كل فروع الإبداع الفني.

وبناء عليه، لا بد أن يتضمن الدستور مواد تؤكد رغبة المجتمع الأكيدة في حماية أصحاب هذه المهن ومساعدتهم على مواصلة إبداعهم. عندك مثلا قادة الفرق الموسيقية السيمفونية من أعضاء الجماعة، والمخرجون السينمائيون والمسرحيون والملحنون والمطربون والمطربات وكبار الممثلين والممثلات (فيما عدا المتخصصات في أدوار الإغراء) لا بد من إقامة قرية إبداعية لهم على شاطئ البحر توفّر لهم الهدوء اللازم للإبداع، على أن تشتري الحكومة كل إنتاجهم مقدما. وإذا قيل إنه لم يظهر حتى الآن أشخاص من جماعة الإخوان يعملون في هذه الميادين، فهذا لا يمنع الدولة من إعطائهم الفرصة ليعملوا فيها، وأن تعطيهم أجورهم إلى أن يكتشفوا مواهبهم ويتفرغوا لتفعيلها.

لا بد من الاعتراف بأن الجماعة لم يكن لديها الوقت في الـ80 عاما الماضية من ممارسة هذه المهن، أو ربما لأنها لم تكن تهتم بشؤون الدنيا وتحصر كل اهتمامها في الآخرة. أما الآن، بعد أن تخففت من شؤون الحكم، فلا شك أنها ستهتم بشؤون الدنيا والحياة إلى جانب اهتمامها بالآخرة بالطبع. أمر طيب أن يكون لديك خبراء في شؤون الدنيا وآخرون في شؤون الآخرة. لقد كان السبب الوحيد في فشلهم في الحكم هو عدم القدرة على فهم قوانين الحياة في هذه الدنيا.

الفرد الموهوب في الفن والعلم هو أغلى سلعة على وجه الأرض، وهو أيضا أكبر مصدر للدخل في بلده، إن سبيلبرغ ليس مخرجا سينمائيا فقط، بل هو منجم ذهب لبلده وجبل من الموهبة يمتع ويثري العالم كله بإنتاجه.. على الدستور أن يتكفل بحماية كل سبيلبرغ يظهر داخل جماعة الإخوان. وبيل غيتس ليس مجرد مواطن عبقري، بل هو مدينة صناعية كاملة، وهو أيضا أكبر فاعل خير على مستوى العالم كله. نحن نرتكب خطأ بشعا إذا لم نجعل الدستور يقوم بحماية كل بيل غيتس يظهر داخل صفوف الجماعة.

وإذا لم يكن قد ظهر في صفوفهم نجيب محفوظ حتى الآن، فعلينا أن نعطيه الفرصة للظهور. وفي اللحظة التي تكتشف فيها الجماعة ظهور أمارات روائي مبدع لدى عضو من أعضائها، فعلى الحكومة أن تعطيه جائزة الدولة مقدما تشجيعا له على الوصول إلى أعلى مستوى في الكتابة. وبهذه الطريقة وحدها تحصل مصر على شعراء في قامة أحمد شوقي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل. أما إذا كان المقصود بالإقصاء، مجال السياسة، فلا الدستور المصري ولا حتى الدستور الأميركي يستطيع حمايتهم من ذلك.