الخليج و«الإخوان»..العلاقات المتحولة

TT

في السياق التاريخي، دخلت جماعة الإخوان كأفكار دينية دعوية إلى دول الخليج قبل غيرها من الدول العربية، ولعل ذلك يعود إلى أسباب مرتبطة بالطبيعة الدينية التي تطغى على التنظيمات السياسية في دول الخليج والتي لم تكن تمانع من التقارب مع الحركات الدعوية الإسلامية، لكونها تدرك أن الدعوة إلى الإسلام جزء من العقيدة الإسلامية سائدة الانتشار في هذه الدول.

مؤسس الجماعة حسن البنا أتيحت له فرص تاريخية بأن يلقي كلمات في مناسبات دينية في دول الخليج كمناسبة الحج وغيرها، حيث كانت كلماته آنذاك في إطار الوحدة الإسلامية وفي إطار الدعوة فقط، ولم يكن الوجه السياسي للجماعة آنذاك يمكن بلورته على شكل مشروع سياسي يمكن طرحه، ولذلك بقي السؤال المهم حول علاقات الخليج بجماعة الإخوان..؟ وهل ما حدث اليوم يشكل انقلابا من جانب دول الخليج على علاقة شرعية غير معلنة بين الخليج وجماعة الإخوان، ظلت لسنوات طويلة.

علاقة دول الخليج بجماعة الإخوان مرت بعدة مراحل؛ ففي مراحل إنشاء هذه الجماعة في بداية القرن العشرين كانت دول الخليج تنظر إلى هذه الجماعة كمنظمة قامت على التصدي للاستعمار البريطاني لمصر، لذلك يكشف لنا تاريخ حسن البنا، مؤسس الجماعة، عن صراع طويل مع المستعمر البريطاني من خلال نشر دعوته في مؤسسات المجتمع المصري، في محاولات كثيرة لحث المصريين على التخلص من سطوة الإنجليز وسيطرتهم على مفاصل الدولة المصرية آنذاك.

تاريخيا، اعتبرت دول الخليج هذه الجماعة التي نشأت في مصر نتاجا طبيعيا لموجة الاستعمار التي اجتاحت كثيرا من الدول العربية، لذلك لم تر دول الخليج موقفا مختلفا يمكن اتخاذه تجاه هذه الجماعة سوى الترحيب بها ومراقبة نشاطها عن بعد، وكنتيجة طبيعية لهذا الدعم المعنوي الذي تلقته هذه الجماعة والتكريم من كثير من دول الخليج، وخاصة الدول الكبرى في الخليج، فقد عمل مؤسس الجماعة حسن البنا على استثمار هذا الموقف الإيجابي.

تنقل مؤسس هذه الجماعة بين دول الخليج مطالبا بالسماح لجماعته بافتتاح فروع لها في تلك الدول، ولكنه لم ينجح لأسباب سياسية في ذلك الوقت، وكانت دول الخليج، وخاصة الدولة الكبرى فيهم، ترى في تلك الجماعة منظمة دعوية فقط، ولذلك فليست هناك حاجة إلى أن توسع نشاطها خارج مصر.

المرحلة الثانية من تاريخ علاقة هذه الجماعة مع دول الخليج، كانت أكثر قربا وفي ذات الوقت أكثر حذرا، فبعد ثورة الضباط الأحرار في مصر وتولي جمال عبد الناصر والجيش المصري إدارة البلاد، تغيرت مسارات هذه الجماعة، وخاصة بعدما تأزمت علاقتها بالرئيس جمال عبد الناصر، وهنا تغير الوجه الدعوي للجماعة، ذلك الوجه المناهض للاستعمار، وتحولت المواجهات مباشرة مع الضباط الأحرار، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر.

في تلك المرحلة، عمل القوميون العرب في دول عربية كبرى، وعلى رأسهم الضباط الأحرار في مصر، على انتهاج خط القومية العربية، وكان ذلك بداية لتصدير ودعم الثورات العربية في الكثير من الدول، وقد كانت دول الخليج هدفا لا يمكن استثناؤه من هذه الثورات، فعمل مصدرو الثورات العربية على دعم الأنشطة الثورية بشكل مباشر وغير مباشر في كثير من الدول العربية، حيث نجح بعضها وفشل آخرون.

في هذه المرحلة، تحسنت علاقة دول الخليج مع جماعة الإخوان، ولكن ليس بالشكل الدعوي، إنما بالنهج السياسي للجماعة، حيث كانت هذه الجماعة مضطهدة في الداخل المصري، وكانت هي العصا السياسية الوحيدة التي تستطيع الدول العربية المحاربة لمنهجية تصدير الثورات استخدامها للضغط على مصدري الثورات العربية في الداخل المصري.

استقبلت الدول الخليجية، وبداية من العقد السادس من القرن العشرين، الكثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقيادتها الفارين من سطوة الأنظمة القومية والبعثية، وعملت دول الخليج على منحهم الكثير من المساحات الفكرية، وتم استثمار الكثير منهم في بناء المؤسسات التربوية الناشئة في دول الخليج، وقد كانت هذه المرحلة اعترافا بتنظيم جماعة الإخوان، ولكنه كان يشبه كثيرا الزواج غير المعلن.

استمر هذا الوضع إلى ما بعد الثورة الإيرانية وظهور الجماعات الإسلامية المسلحة في الجزيرة العربية، ومنها تنظيم القاعدة، حيث تنبهت دول الخليج إلى الدور السري لهذه الجماعة وخطورتها، وكانت هذه الأدوار تتم على شكل تنظيمات سرية غير معلنة كنتيجة طبيعية لعدم سماح دول الخليج بالوجود القانوني للمنظمة.

اليوم، دول الخليج تعيد اكتشاف خطورة جماعة الإخوان على أمنها، بعدما استطاعت جماعة الإخوان أن تكون الحاكم السياسي في مصر لعام مضى، لذلك فإن الموقف السياسي الذي تبنته معظم دول الخليج تجاه هذه الجماعة مبني على إطار تاريخي طويل، أدركت من خلاله دول الخليج أن الوجه الدعوي لجماعة الإخوان منذ إنشائها لم يكن سوى غطاء سياسي محكم لأهداف سياسية كبرى ترغب الجماعة في تحقيقها، وهذا ما يفسر ظهور مصطلح الخلافة في الخطاب السياسي للجماعة.