الإخوان بين إعدام سياسي أم موت رحيم!

TT

خرج الإخوان من المشهد السياسي في مصر، ويبدو أن تصدعات كبيرة ستطال بقية نسخ «الجماعة» في دول الربيع العربي، لكن الحنق من تجربة إخوان الجماعة الأم في مصر من قبل شرائح كثيرة من المجتمع المصري المتدين وغير المسيس يزداد بشكل تصاعدي مخيف بحيث يتجاوز في قوة ردود أفعالهم موقف خصومهم السياسيين من الأحزاب والتيارات المدنية بمختلف تنوعاتها، فهذا الغضب السياسي هو عادة ما يسلط عليه الضوء في وسائل الإعلام، بينما الغضب الشعبي الذي لا مس «الذات» القومية في أعز ما تملكه وهو هذا الحب الجارف لمفهوم «مصر» كما يتجذر في الوجدان الشعبي البسيط عمقا وضخامة ويقترب من حدود الأسطرة والشوفينية، هذا الغضب الشعبي هو الذي ينبغي أن يقرأه حزب النور بذكاء شديد، إضافة إلى شخصيات سلفية مستقلة وغير معنية بالسياسة رأت في حجم هذا الغضب من قبل عامة الناس «رسالة ما» توجب محاسبة النفس على طريقة «أنتم شهداء الله في أرضه».

الاستقواء بالخارج والتلويح بإحراق البلد، وهما بالمناسبة لم يجرؤ الرئيس السابق مبارك من قبل على طرحهما، سيزيدان من حجم الضغينة تجاه الجماعة التي صحيح جدا أنها تشكل رقما صعبا على مستوى الأحزاب الدينية والسياسية المنظمة، إلا أن ذلك التصنيف مقارنة بأحزاب أخرى لها امتداد تاريخ كالوفد أو أنشئت بعد الثورة لكنها بسبب آيديولوجيتها العلمانية لا تنافس الإخوان، لكن الإخوان أنفسهم وفقا لأكثر التقديرات تسامحا لا يتجاوزن مليوني شخص، وهو رقم كبير حزبيا لكنه صغير جدا مقارنة بحجم الشعب.

حل التنظيم بالقوة وسجن قياداتها وملاحقتها قضائيا وتهجيريها الذي يتم الإصرار عليه الآن لن يجدي شيئا، بل على العكس قد يعطي التنظيم فرصة «المظلومية السياسية» ليعيد بناء نفسه من جديد، ذلك أن الإخوان ليسوا فصيلا طارئا على المشهد ما بعد الثورة وإنما حركة سياسية متجذرة في العالم كله لأكثر من ثمانية عقود، وهو ما يفسر حجم الهلع من قبل أنصار الإخوان في الأحداث الأخيرة وتسابقهم لتصوير المشهد على أنها محرقة للإسلاميين، بالطبع يتناسى هؤلاء موقف السلفيين ومؤسسة الأزهر وباقي المنشقين على الإخوان ممن يقتسمون معهم كعكة الشرعية الدينية.

إقصاء الجماعة بالقوة أيضا سيمنحها مبررا للعنف المسلح والعودة إلى مربع «القطبية» والعزلة الشعورية والحزب السري، وهو الأمر الذي لا تحتمله وضعية البلد التي وللأسف تعاني الآن من ضربات مجموعات جهادية صغيرة في سيناء، فكيف إذا انتقلت الاضطرابات إلى وسط القاهرة والمدن الكبيرة؟

الإخوان فقدوا الشرعية الدينية ولا شك، إلا أن من المهم أن يفقدوا الشرعية السياسية، وهذا لن يتأتى بالإقصاء القسري وإنما بالقانون، فمجرد دخول حزب سياسي ديني إلى اللعبة خطأ كان يجب عدم تمريره تحت أي مبرر، ومن يرِد أن ينافس على السياسية فعليه أن يدخل إليها من أبوابها عبر أحزاب سياسية خالصة لا تستخدم منابر الجمعة والمساجد والمعونات الخيرية لكسب أصوات الناس.

والحال أن كل مبادرات التسوية الآن لحل الأزمة العالقة هي مبادرات مرحلية فقط تهدف إلى التفاوض حول الشروط في التسوية مع النظام الجديد والتفاوض على الخروج من المشهد بشكل آمن، وهذا يعني سلامة القيادات والأموال والممتلكات.

المبادرات «الوقتية» يجب أن لا تغيب إيجاد صيغة حلول جذرية لعدم تكرار ثغرة دخول أحزاب شمولية تتوسل الدين لطرح نموذج سياسي بأطر ديمقراطية لكن بمضامين فاشية، وهو الأمر الذي يغيب بسبب الأزمة وما تتطلبه من تحالفات مع أحزاب أخرى ذات هيكلية سيودينية لكنها تختلف مع الإخوان.

هذه المراجعة لقانون الأحزاب يجب أن تصاغ بشكل سياسي تكاملي سواء في طريقة إجراء الانتخابات أو البرامج السياسية، ويمكن طرح هذه المضامين بطريقة غير مستفزة لتيار عريض من الشعب المصري يتحسس من ثنائية علماني / إسلامي يمكن أن يقبل بصيغة منبثقة من مفهوم المواطنة / مصر للمصريين.

الأكيد أن صورة الجيش الآن باعتباره صمام أمان للأمن القومي، الذي يحظى بثقة وحب النسبة الأكبر من الشعب المصري غير المسيس غير قواعد اللعبة السياسية لتصبح مثلثة الأضلاع ما بين جيش وحكومة ومعارضة، وهو مطالب إذا أراد أن يبقي على هذه الصورة الجديدة أن يدع الحكومة تتشكل في المرحلة القادمة بعيدا عن أي تدخل مباشر، إضافة إلى ضمانه لحق التظاهر السلمي، وهو مفهوم يجب أن يؤطر بشكل قانوني، فنقاط التفتيش وحرق المنشآت وقطع الطريق لا يمكن أن تعتبر فعالية سلمية، فالمسميات لا تغير من الحقائق.

أما بعد، ففي الصورة الأوسع يمكن القول إن الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي استطاع منذ عقود تكوين حالة دولة داخل الدول، التي يبدو أنها ستكون لب الصدام في المرحلة القادمة، كما أن من الواضح أن مصر كعادتها ستدفع الثمن أولا في التحولات الكبرى في المنطقة، ومن هنا فالإعدام السياسي ليس الحل وإنما الموت الرحيم بفعل سيادة القانون.