تدخل واضح!

TT

دوما تفخر الدول الصناعية الكبرى «باستقلال» اقتصادها التام وحرية الأسواق فيها وعدم تدخل الحكومات في الشأن الاقتصادي إطلاقا. هذه الفكرة لم يعد بالإمكان تأكيدها هذه الأيام بعد القرارات التي تبنتها أكثر من حكومة وكان فيها تدخل واضح لدعم شركات بعينها مما منحها أفضلية تنافسية غير عادلة وغير منصفة.

ولعل المثال الأهم في التاريخ القريب هو ما أقدمت عليه إدارة الرئيس باراك أوباما في الولايات المتحدة بمنح شركة لتصنيع السيارات قروضا ميسرة لنجدتها من أزمتها المالية الخانقة مما أنقذها فعليا من الإفلاس الكامل الذي كان مقبلا عليها بلا شك. الأمر الذي أثار غضب واحتجاج شركات السيارات العالمية الأخرى.

وهناك مثال آخر لا يقل أهمية وهو ما تقوم به مجموعة الدول الصناعية الأوروبية المشاركة في صناعة طائرات الإيرباص المعروفة، فهي تقوم بدعم صريح للشركة المصنعة بمزايا مشجعة ورسوم وضرائب محفزة جدا تمكن الشركة من أن تكون أكثر قدرة على التنافس وأقوى في السوق، مما جعل شركة «بوينغ» - وهي المنافس الرئيس والأهم لها - تشيط غضبا وترفع الشكوى تلو الأخرى.

وهناك الصين التي لم تستطع حتى الآن «نفي» شبهة «ملكية» القوات المسلحة الصينية لشركة «هواوي» العملاقة للاتصالات مما أدى إلى تحفظات كبيرة في الولايات المتحدة على دخول هذه الشركة في مناقصات مهمة للحكومة الأميركية وذلك من باب التحفظ وحماية الأمن الوطني الأميركي.

ومؤخرا قامت إدارة الرئيس الأميركي أوباما بخطوة لافتة جدا. وذلك بأنها رفضت قرارا من لجنة التجارة الدولية الأميركية يقضي بحظر بيع بعض منتجات شركة «أبل» القديمة من أجهزتها «الآي فون» و«الآي باد»، وذلك بسبب قضية براءة الاختراع مع منافستها الكورية الجنوبية شركة «سامسونغ» العملاقة، وأوضحت الإدارة الأميركية أن سبب قرارها هو «القلق بشأن التأثير على الظروف التنافسية في الاقتصاد الأميركي والتأثير على المستهلكين الأميركيين» وذلك على لسان الممثل التجاري الأميركي مايكل فرومان. وفورا تعاملت شركة «أبل» مع هذا الحراك وقالت على لسان المتحدثة الرسمية باسمها السيدة كريستين هوغوت «إننا نحيي الإدارة ووقوفها من أجل الابتكار في هذه القصة التاريخية».

واقع الأمر يقول إن الأزمة المالية الطاحنة التي تعصف بالدول الصناعية الكبرى أبرزت شعارات «متعصبة» تدعو لشراء منتجات «محلية ووطنية فقط وأولا» وهي مسألة جديدة وغريبة لدول كانت تدعو للحدود المفتوحة والعولمة المنطلقة. كل ذلك تغير وتبدل وباتت الضرورات تبيح المحظورات، فها هي المستشارة الألمانية تصول وتجول لدعم الشركات الألمانية وبكل قوة، وكذلك يفعل الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وطبعا كذلك يفعل الرئيس الأميركي.

لم يعد من الممكن أن تدافع الدول الصناعية الكبرى عن أسواقها «المفتوحة» و«الحرية» التي كانت متوفرة فيها و«استقلالية» الشركات عن أي تدخل «غير عادل» من الحكومات سواء أكان ضدها أو لصالحها. فاليوم خلعت الحكومات ثوب الحياد لترتدي قفازات الدفاع عن هذه الشركات لإحساسها أن مصير الحكومات نفسها بات من سوية ومتانة واستقرار الشركات الاقتصادية الكبرى في هذه الدول وهو إثبات عملي للشراكة الحقيقية والثقة الموجودة بين القطاعين الخاص والعام.

ولكن لا يمكن بعد اليوم قبول أن الحكومات الغربية أو الصناعية الكبرى لا تتدخل بشكل فج وصريح لدعم الشركات. عصر الحياد والاستقلال الاقتصادي انتهى.