رحلة بلا عودة للمريخ.. من يريد؟

TT

إذا كان الضجر واليأس قد استوليا عليك من حياتك على هذه الأرض، فهناك حل مباشر، السفر دون عودة لكوكب المريخ.

ألسنا نسمع دوما من متذمر: ليتني أخرج من هذه الأرض، وأترك دنياكم.

سهلة، ها هي وكالات السفر الفضائية تتسابق لتوفير هذه الرحلة.

خذ لديك:

تبحث شركة «مارس ون» الهولندية عن رواد فضاء متطوعين للسفر برحلة إلى المريخ ستنطلق من الأرض عام 2022 لتصل بعد سبعة أشهر إلى الكوكب الأحمر.

تقول الوكالة الهولندية في إعلانها:

قبل أن تسارع للتطوع عليك العلم بأنها رحلة لوجهة واحدة.. ورغم هذا التحذير المخيف والمهيب، فإن الوكالة تلقت أكثر من 10 آلاف رسالة إلكترونية من مهتمين بالرحلة التاريخية التي ستكون بداية لتدشين مستعمرات بشرية على المريخ.

وستنقل كل رحلة زوجين من النساء والذكور، مما يعني إمكانية التزاوج في الكوكب الأحمر، وقال الرئيس التنفيذي للشركة، باس لانسدورب: «إنه شخصيا لن يشارك في أي من الرحلات بدعوى رفض صديقته الظريفة، اصطحابه إلى المريخ».

السؤال هو: هل ستوفر هذه الرحلة ذات الاتجاه الواحد، تحقيقا للحلم الموعود؟

لماذا يرغب جزء لا بأس به من البشر في السفر والهرب من الأرض؟ وهل لو توفرت شروط أمن وسلامة أكثر لزاد العدد، خصوصا أن هناك تحذيرات علمية جادة من تعرض هؤلاء المسافرين لجرعات إشعاعية مسرطنة؟

وهل هذه الرحلة ستكون مجتمعا إنسانيا نقيا جديدا خاليا من أمراض البشر ومشكلاتهم؟ الواقع لا يقول هذا، بداية من تنافس روسيا والصين والدول الأوروبية مع وكالة «ناسا» الأميركية، ذات الميزانية المتراجعة أصلا.

أي أن صراعات بكين وموسكو مع واشنطن ستنتقل إلى المريخ، فماذا استفدنا من هذه الرحلة إذن؟!

هؤلاء الراحلون بلا عودة إلى المريخ، هل سينقلون معهم خلافاتهم الدينية والثقافية والسياسية بل وحتى الشخصية إلى مستعمرة المريخ.

الرغبة في الاستكشاف لدى البشر رغبة عميقة وقديمة، وهي التي نقلت الإنسان القديم من شرق أفريقيا إلى أصقاع سيبيريا المثلجة وأدغال فيتنام وأرخبيل إندونيسيا وجبال الأوراس، وقمم الألب الأوروبية، قبل عصر الطيارة والسيارة والبواخر العظام.

هذه الرغبة، بحد ذاتها، كما شرحت مجلة (ناشيونال جيوغرافيك) مغروسة جينيا في بعض البشر، بصرف النظر عن المردود المادي والمنفعة المباشرة، ودون حساب للمخاطر.

لو كان لديك الاختيار عزيزي القارئ، فما هو الشيء الذي ترغب في استبعاده من المستعمرة الجديدة في المريخ؟

سيقول قائل: البنوك، وآخر: الديون، وثالث: النكد الزوجي، ورابع: السجون، وخامس: الصراعات السياسية والدينية، وسادس: الحكومات، وسابع: الأحزاب المعارضة، وثامن: السود، وتاسع: البيض، وعاشر: الجميع.

لو كان لي الاختيار شخصيا، أتمنى فقط أن لا تتوفر في المريخ خدمة الإنترنت.