سر الصندوق أسفل مسلة نيويورك

TT

ليس لمسلة كليوباترا بنيويورك صلة بالملكة الشهيرة كليوباترا، وإنما تخص الملك «تحتمس الثالث» أعظم فراعنة مصر في عصرها الذهبي؛ بنى في عهده أعظم إمبراطورية مصرية حكمت الشرق والجنوب، وأقام هذا الملك مسلتين من الغرانيت الأحمر بمنطقة هليوبوليس (عين شمس الحالية) تخليدا لرع (إله الشمس) ووضعهما أمام معبد رع.. وقد اعتاد أغلب فراعنة مصر بناء مقاصير ومعابد ومسلات تخليدا لإله الشمس، وما زالت مسلة الملك سنوسرت الأول موجودة بمنطقة عين شمس داخل القاهرة، والمسلة الموجودة في سنترال بارك بنيويورك واحدة من المسلتين التي يطلق عليها خطأ اسم مسلة كليوباترا، وارتفاعها يصل إلى 12 مترا، وتزن 244 طنا من حجر الغرانيت الأحمر، وتعتبر هذه المسلة أقدم أثر موجود في نيويورك، بل وفي الولايات المتحدة، حيث يعود عمرها إلى 3500 سنة تقريبا. وقد أقام «تحتمس الثالث» هذا المعبد والمسلتين وهو يحتفل بالعيد الثلاثيني الذي يُحتفل به بعد 30 عاما من الحكم، لكي يثبت أنه ما زال قادرا على حكم البلاد.. وفي عام 18 الميلادي، تم نقل هاتين المسلتين إلى الإسكندرية، وبعد ذلك نُقلت واحدة منهما إلى لندن عام 1879م، وبعد عامين من هذا التاريخ تم نقل المسلة الأخرى إلى مدينة نيويورك.. وقد أرسلت كهدية من الخديو إسماعيل باشا إلى أميركا، وذلك مقابل نقل التكنولوجيا والعلم إلى مصر.

ولنا أن نتصور كيف تم نقل مسلة بهذا الوزن الضخم إلى نيويورك، وقد استغرقت عملية النقل 112 يوما حتى وصلت إلى نهر «Hudson» بنيويورك، وبعد ذلك نُقلت إلى سنترال بارك، واحتفل يوم 22 يناير (كانون الثاني) 1888م بإقامة المسلة داخل الحديقة.. وقد وضعوا أسفل المسلة صندوقا داخله تاريخ نقل المسلة، وقاعدة بتعداد سكان أميركا عام 1870م، ونسخة من الإنجيل وقاموس «Webster»، والأعمال الكاملة لشكسبير، ودليل عن مصر، ونسخة من وثيقة استقلال أميركا، وصندوق صغير من الشخص الذي قام بنقل المسلة إلى المدينة، ولا أحد يعرف ما هو موجود داخل الصندوق.

وقد دُفنت كل هذه الوثائق أسفل المسلة لتصبح تاريخا جميلا لنقل المسلة ولمدينة نيويورك.. والمنطقة المجاورة للمسلة يظهر جمالها في الربيع من خلال الورود والأزهار، ولكن المسلة يصعب رؤيتها من خارج سنترال بارك بأشجاره الضخمة.

وذكرت من قبل أنني أرسلت خطابين؛ واحدا إلى عمدة نيويورك مايكل بلومبيرغ، والثاني إلى دوغلاس بلوسكاي رئيس الحفاظ على سنترال بارك لترميم المسلة أو عودتها إلى مصر، وأزعجهما أنني قلت لهما إنه من حقنا طلب عودة المسلة إذا لم يتم الاعتناء بها، وأضفت أن المسلة مصرية، وسوف تظل مصرية، وأننا، نحن المصريين، مسؤولون عن الحفاظ على المسلة أمام العالم كله.. والخبر السعيد أنهم سوف يبدأون في ترميم المسلة الشهر المقبل بإذن الله، وكل عيد فطر وأنتم طيبون.