نمير قيردار.. مع احترامي!

TT

في العالم عموما، وفي العالم العربي منه تحديدا، تُعتبر مهنة المصرفي، موظف البنك، مهنة دوما ما تنال النكات والسخرية، ويشبهونه بمصاص الدماء، وبأنه موظف آلي بلا إحساس وبلا ضمير وغير ذلك من الألفاظ القاسية، ولكن هناك من ترك بصمة في هذا المجال، وهم الاستثناء ولا شك. أسماء عملاقة مثل مؤسس بنك مصر الاقتصادي العبقري طلعت حرب، وهناك أيضا مؤسس البنك العربي عبد الحميد شومان، الذي كان صاحب رؤية بعيدة وسابقة لواقعها. وهناك إبراهيم دبدوب الفذ الذي كان وراء تألق بنك الكويت الوطني، وساهم بشكل مباشر في إدارة شؤون الكويت المالية خلال أزمة احتلالها من قبل صدام حسين. وهناك نعمان أزهري ابن اللاذقية، وهو الذي أوصل بنك لبنان والمهجر للمكانة التي وصل إليها. وعبد الله باحمدان الذي أدار أكبر البنوك السعودية (البنك الأهلي التجاري) في ظروف مليئة بالتحديات والتقلبات الحادة. وهناك عادل اللبان المصرفي المصري «المحترف»، الذي تألق بشكل استثنائي في الخليج ليحتل مكانة فريدة.

ولكن هناك اسما مهما آخر لا يمكن إغفاله حين سرد هذه الأسماء وغيرها؛ اسم سجل نفسه واحدا من أنجح المصرفيين العالميين في العصر الحالي، والرجل المقصود هناك هو المصرفي البريطاني العراقي الأصل نمير قيردار، الذي انتهيت للتو من قراءة سيرته الذاتية الممتعة والمشوقة والصادرة باللغة الإنجليزية. والكتاب المكتوب بشكل سلس وأخاذ يروي مشوار الرجل بشكل آسر، وهو سليل الأسرة الميسورة من بغداد، التي تحول حالها بعد الانقلاب على النظام الملكي في العراق، الذي جاء بنظام العسكر، وتسبب بعد ذلك في سجن نمير قيردار، ووصل إلى أميركا لاستئناف دراسته ولا يحمل معه سوى مبلغ 800 دولار أميركي فقط، وتخرج وعمل في أسفل السلم الوظيفي بأحد المصارف، وبالعمل الدؤوب والجهد المتواصل صعد في مناصبه حتى وصل إلى أن يكون مسؤولا عن منطقة الشرق الأوسط لمصرف «تشيس» العملاق. وهنا بدأ يبني علاقات مميزة، خاصة مع كبار رجال الأعمال في الخليج وكبرى الشركات فيه، حتى بدأت تتكون في مخيلته فكرته الحلم، وهي تأسيس بنك استثماري استثنائي مكون من رؤوس الأموال الكبرى. وتفرغ نمير قيردار لهذه المهمة (التحدي)، وأسس وترأس بنك «إنفستكورب»، وانطلق في أعماله وفي صفقاته «الكبرى التي اشتملت على استحواذات مفاجئة»، مثل شراء شركة دار أزياء «غوتشي» الإيطالية، ومتجر «ساكس فيفث أفنيو» الأميركي لمبيعات التجزئة المعروف وغيرها من الصفقات الكبرى والناجحة، وزاد حجم البنك وكبر ونجح وتنوع حجم المستثمرين فيه، و«قلده» عدد غير بسيط من المصارف من دون أن يصلوا لهذه الدرجة من النجاح، ليكون «إنفستكورب» عقدة نجاح استثنائية.

ويتعرض الكتاب بشكل أخاذ لانطباعات الرجل عن شخصيات معروفة وأحداث مهمة، لتعكس للقارئ فكر وشخصية نمير قيردار بشكل موسع وعملي. الكتاب كان رحلة ممتعة في أعمال شخصية ناجحة ومتألقة، قدم فيه رحلة عمر ناجحة ومليئة بالمحطات اللافتة التي من الممكن أن تقدم عبرا ودروسا لا يستهان بها لجيل يبحث عن القدوة أو عن المثل الأعلى، وهو بأمس الحاجة لأن يقرأ سيرا مثل هذه.