أريد كُليبا حيا

TT

على إحدى الفضائيات - المتحيزة للإخوان المسلمين - تابعت برنامجا حواريا، كان المتحدثون فيه ثلاثة يوضع تحت أسمائهم في العادة تعريف «الباحثين والمختصين» والبرامج التي هي من هذا النوع غالبا ما تكون معدة بعناية، بحيث يبدو الحوار كما لو أنه رأي ورأي آخر.. بينما هو في واقع الأمر ثلاثة مقابل واحد، الواحد ضد الإخوان، والضيفان مع.. والمذيع ليس محايدا.. بل إنه يقدم مرافعات طويلة لمصلحة منطق الإخوان ولكن على هيئة أسئلة!

ورغم قوة منطق الرجل الوحيد في البرنامج الحواري، إلا أن المشاهد الذي ليس لديه وقت كاف للتدقيق فيما يسمع، يخرج بانطباع مفاده.. «إن من هم مع الإخوان هم الأغلبية - عددا ومنطقا - ومن هم ضد الإخوان أقلية محشورة في الزاوية».

وهذه لعبة إعلامية، يعرفها المختصون في علم وعمل الإعلام ويدركها قدر لا بأس به من الجمهور، إلا أنها لا تزال الوسيلة الأسهل لإعطاء بعض مصداقية «لحكاية» الرأي والرأي الآخر.

في هذا البرنامج، وهو بالمناسبة يتكرر يوميا، ومثله يتكرر عدة مرات في اليوم، لفت نظري طرح قدمه أحد مفكري الإخوان، مبتدأه ان مرسي الرئيس الشرعي المنتخب فشل في أداء مهامه كرئيس، أما الخبر فهو أن الذي أفشله هو الدولة العميقة في مصر، والتي تضم حسب ما قال:

- بعض ملايين من الناس لا يتجاوزون في العدد العشرين!

- مؤسسة القوات المسلحة. وهي لا تعني عدد لابسي البدلات العسكرية فقط، بل أسرهم والمتأثرين بهم.. وهنا يعد الأمر بالملايين.

- مؤسسة الداخلية، ووفق إحصاء المتحدث، تعد بالملايين كذلك.

- مؤسسة الإعلام والثقافة، وهذه إلى جانب العدد الكبير لمنتسبيها فهي ذات تأثير واسع وفعال في المجتمع والدولة.

- مؤسسة القضاء.. والجميع يعلم بأنها المؤسسة الأعرق في مصر والعالم الثالث عموما، وهذا قطاع نوعي لا يحصى عدديا.

- وبين هؤلاء جميعا.. الفلول الذين هم الاسم الرمزي لكل من ليس إخوانيا، أي أن هؤلاء وفق أكثر التقديرات تواضعا يعدون بالملايين كذلك، ناهيك بدورهم في الحياة المصرية والمجتمع العميق.

وبعد أن سرد الإخواني قائمة الذين أفشلوا مرسي وسئل عما هو الحل إذن، أجاب بيقينية عالية.. «عودة مرسي إلى الكرسي - وعودة الدستور الملغى إلى العمل.. ومحاكمة الانقلابيين.. وعودة مجلس الشورى. وحين سئل من الذي سيفعل ذلك.. قال بارتياح: شعب مصر الذي منح الشرعية عبر صندوق الاقتراع للرئيس مرسي! أي أن الإخوان يريدون من كل القوى التي اُتهمت بإفشال مرسي، أن تعلن التوبة، وأن تعيد عقارب الساعة سنة إلى الوراء، ويا دار ما دخلك شر.

منطق كهذا لم يسقط فقط حكم الإخوان بضربة قاضية في مصر.. بل إنه أغلق طريق العودة إلى الحكم لعقود، إن لم نقل إلى الأبد، واضعين في الاعتبار أن جهد ثمانين سنة أفضى إلى سقوط في أقل من سنة، وبوسعنا تخيل كم من السنوات يحتاج الإخوان ليس للعودة ثانية إلى الحكم.. وإنما لترميم الصرح الذي صدعوه بأيديهم - وقوضوا أساساته برؤيتهم الأحادية للحكم، وعدم قدرتهم على المشاركة بدل الاستحواذ.

إن إصرار الإخوان، على شروطهم المطروحة لإنهاء الأزمة في مصر، واعتبارهم ما حدث في يونيو (حزيران) وما تلاه من تطورات مجرد مشهد تلفزيوني مصنوع، ولا يمت للواقع بصلة.. إن هذا الإصرار، وبهذا المنطق، ذكرني بشعار حرب الأشقاء التي دامت عقودا طويلة، والذي نحته الزير سالم، حين قتل أخوه كليب على يد ابن عمه جساس.. وحين قرأ على الصخرة التي نزف كليب دمه إلى جوارها عبارة «لا تصالح».. أيامها وضع الزير سالم شعاره الفتاك.. «أريد كليبا حيا».. وتحت هذا الشعار قتل الآلاف، وسبيت الحرائر من كلا الطرفين.. وخاب جهد الوسطاء، ولم تتوقف الحرب إلا بعد أن لم يعد باستطاعة أي من الفريقين مواصلة القتال.

فهل ما نراه الآن هو استنساخ لتجربة مريرة، صارت في حياتنا العربية حكاية شعبية تُغنى على الربابة، بل هنالك من يتباهى بفروسية أرباب تلك الحرب القذرة.

لا فرق كبيرا بين ما حدث قبل مئات السنين، وما يراد له أن يحدث في القرن الحادي والعشرين.

ذلك أن من منح النبي الأعظم شرف الاعتصام في ميدان رابعة، والصلاة مع مرسي.. ومن يرى تجديد الرئاسة بعدد الحمامات التي تهبط على الكتف في الأحلام، التي هي رؤى بقوة النبوءة.. إن من يفكر في ذلك أو يتكلم بهذا المنطق، لن يكون بعيدا عن أن يرى مصر الكبيرة، بحجم ناقة البسوس.. وأن يرفع شعارا هو ذات شعار الزير سالم مع تعديل بسيط.. «أريد مرسي رئيسا».