تنظيم القاعدة الأساسي لم يهزم

TT

حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما في الخطاب الذي ألقاه في جامعة الدفاع الوطني في شهر مايو (أيار) الماضي، التمييز بين ما سماه «تنظيم القاعدة الأساسي» (الذي أكد لنا أنه «على طريق الهزيمة») وبين الأفرع التابعة له مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والتي لا تشكل خطرا «بحجم هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)».

وقال أوباما إن «تنظيم القاعدة الأساسي متقوقع على نفسه»، مضيفا أنه «لم يتورط في الهجوم على القنصلية الأميركية في مدينة بنغازي الليبية أو هجمات بوسطن» وبأن «الوقت الذي يقضيه الباقون من عملاء التنظيم في التفكير في سلامتهم أكبر من الوقت الذين يقضونه في التآمر علينا».

ومع ذلك، اتضح أن ما قاله أوباما كان خاطئا، حيث كشفت صحيفة «واشنطن بوست» النقاب عن أن المؤامرة التي أدت إلى إغلاق سفارات الولايات المتحدة وإجلاء الدبلوماسيين الأميركيين بشكل طارئ لم تكن من تدبير أي شخص آخر سوى خليفة أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، الذي أعطى «أوامر واضحة» لزعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي لشن هجوم على أهداف أميركية.

يقول أوباما إن «تنظيم القاعدة الأساسي على طريق الهزيمة»، غير أن المؤامرة التي وصفها مسؤولون بأنها «التهديد الأكثر تحديدا وخطورة» منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت من تدبير زعيم تنظيم القاعدة الأساسي.

وعلاوة على ذلك، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن الشخص الذي تلقى الأوامر من الظواهري، وهو الوحيشي، كان يعمل في وقت ما «سكرتيرا خاصا لابن لادن».

هل العمل كسكرتير خاص لمؤسس «تنظيم القاعدة الأساسي» لا يؤهل الشخص ليكون ضمن «تنظيم القاعدة الأساسي»؟

هذا ليس كل شيء، حيث لم يقتصر الأمر على كون الوحيشي أحد أبرز مساعدي بن لادن (والذي كان مع زعيم تنظيم القاعدة في تورا بورا)، ولكن صحيفة «واشنطن بوست» أشارت أيضا إلى أن الوحيشي «قد رقي من قبل الظواهري ليصبح الرجل الثاني في تنظيم القاعدة». وبالتالي، فإن زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يشكل أكبر تهديد منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، هو أيضا الرجل الثاني في «تنظيم القاعدة الأساسي».

والحقيقة هي أن جهود أوباما للتمييز بين «تنظيم القاعدة الأساسي»، والقاعدة في جزيرة العرب ما هي إلا نوع من أنواع السفسطة الخالصة، لأن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد جرى تشكيله من قبل زعيم «تنظيم القاعدة الأساسي»، كما أن زعيمه هو الرجل الثاني في «تنظيم القاعدة الأساسي». وعلى هذا الأساس فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو «تنظيم القاعدة الأساسي».

وكما تشير كاثرين زيمرمان، وهي أستاذة بمعهد «اميركان انتربرايز»، فإن «تنظيم القاعدة الأساسي» لا يكون بالضرورة هو التنظيم الموجود في باكستان، حيث انتقل أعضاء من التنظيم الأساسي إلى بقية أنحاء العالم - من السودان في التسعينات من القرن الماضي، إلى أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر، إلى باكستان في أعقاب عملية «الحرية الدائمة». والآن، ينتشر العديد من قادة «التنظيم الأساسي» في جميع أنحاء العالم - بما في ذلك في اليمن.

ويعني هذا أن حديث أوباما عن أن «تنظيم القاعدة الأساسي على طريق الهزيمة» هو شيء غير صحيح بالمرة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يصر أوباما على هذا التمييز الخاطئ بين «تنظيم القاعدة الأساسي» وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب؟ والإجابة هي لأنه يريد أن ينهي ما وصفه في خطابه في جامعة الدفاع الوطني بأنه «حرب عالمية لا حدود لها على الإرهاب». وفي ذلك الخطاب، كشف أوباما عن نواياه بشكل واضح، فهو يريد الانسحاب من أفغانستان ووضع حد للهجمات بطائرات من دون طيار وإلغاء الترخيص باستخدام القوة العسكرية الذي أقره الكونغرس بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وإنهاء الحرب الأميركية على الإرهاب.

ولكن إذا لم يكن «تنظيم القاعدة الأساسي» على طريق الهزيمة في واقع الأمر – وإذا كان فرع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي وصفه أوباما بأنه «الأكثر نشاطا في التآمر ضد وطننا» هو نفسه «تنظيم القاعدة الأساسي» – فإن أوباما لن يتمكن حقا من وضع حد لحربنا ضدهم، أليس كذلك؟

في الحقيقة، ما يقوم به أوباما ما هو إلا مجرد إعادة لنفس الحجج التي كان يستخدمها منتقدو زيادة القوات الأميركية في العراق عام 2007، ففي ذلك الحين حاول كثيرون من اليساريين التأكيد على أن تنظيم القاعدة في العراق ليس هو «تنظيم القاعدة الأساسي» – لأنه إذا لم يكن هذا التنظيم هو حقا «تنظيم القاعدة الأساسي» الذي أنشأه بن لادن، فإنه يمكننا الانسحاب قبل أن نهزمهم!

وفي خطاب ألقاه في قاعدة تشارلستون الجوية، نفي الرئيس جورج دبليو بوش هذه الفروق الزائفة، وشرح بالتفصيل كيف «يتم إدارة تنظيم القاعدة في العراق من قبل الزعماء الأجانب الموالين لأسامة بن لادن».

واليوم، تجري إدارة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن طريق السكرتير الشخصي لابن لادن الذي أصبح الآن الرجل الثاني في التنظيم خلف خليفة بن لادن، أيمن الظواهري. وخلاصة القول، إذا لم يتم القضاء على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فلن يهزم «تنظيم القاعدة الأساسي».

* خدمة «واشنطن بوست»